سبحان من قدسها
عن شائبات النسب نشأ -عليه السلام- منشأ الأئمة الكبار، واقتفى منهاج درجة الآل الأطهار، حتى قضى من العلوم الأوطار، وشاع ذكره في جميع الآفاق وطار، ولما بلغ في العلوم النهاية، ووصل منها [إلى] الغاية، دعا إلى الله يوم حادي عشر من شهر جمادى الأول من سنة اثنتي عشرة وتسعمائة [سنة]، كما تقدم، ولم تظهر كلمته كل الظهور في مدة الإمام الحسن -عليه السلام- كما ذكرناه في سيرته، وبعد وفاته لم تزل تستقوي شوكته، وتأكد دولته، فاستولى على جهات اليمن جميعا، ودانت له البوادي والأمصار، وسالمته النوائب وصروف الأقدار، وتحاسد على مساعدته الليل والنهار، فكان من أعظم الفتوحات العظيمة، ومنن الله وتفضلاته على المسلمين العميمة تيسير فتح صنعاء، وفيها طائفة اللونذ، وكان السبب في فتحها أنه قصده أهل صنعاء، وتكفلوا له بالسؤل وبلوغ المأمول، فقصدها بجمع قليل من أهل جهاته، فافتتحها على أحسن حال وأنعم بال، وقتل جماعة كثيرة من اللونذ الذين كانوا بصنعاء، وأهل الرتبة بقصر غمدان سلموا له العهدة، واستمرت أوامره ونواهيه بجهات اليمن جميعا، وسار فيها سيرة حميدة، تمضي فيها آراؤه السديدة، ثم اهتم بافتتاح مدينة صعدة ونواحيها، فقصدها بجيوش منصورة، وكتائب واسعة موفورة، وكان افتتاحها في سنة أربعين، ولما وصل إليها أتاه الخبر بأن الشيخ عامر بن داود من ملوك بني طاهر نهض في ذلك الوقت لقصد جهة صنعاء بجنود كبييرة، وممالك كبيرة فوجه من صعدة لحربه ولده السيد الهمام فخر الدين: المطهر بن شرف الدين فكانت الوقعة المشهورة بينهما في موكل، فانهزم عامر بعد قتل كثير من أصحابه، وما زال يتبعه حتى أوصله إلى عدن، ومن تلك الوقعة بطلت واضمحلت دولة بني طاهر، وافتلت وتضاءلت مملكتهم واضمحلت، وملك [بعض] اليمن الأسفل وافتتح تعز، وبعد مدة طويلة قصد زبيد بجموع لا يحصى لها عديد، وأدرك ولده المطهر الإعجاب، وكان من جملة كتاب كتبه إلى أبيه: إنا توجهنا إلى زبيد في جموع كثيرة كما قال تعالى:{مائة ألف أو يزيدون }[الصافات: 147].
فكان في تلك الوقيعة انهزامه الهزيمة الهائلة، والعجب مقرون بالعطب، وعدم بلوغ الأرب، وقد أشار إليه الملك الديان في محكم القرآن، قال تعالى مخاطبا لنبيه -صلوات الله عليه- : {ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم [فلم تغن عنكم شيئا] الآية}[التوبة:25]، ورجع بعد الهزيمة إلى تعز، واستقرت مملكته فيه وفي سائر النواحي من تلك الجهات؛ ولم أقف للإمام شرف الدين -عليه السلام- على سيرة، فأذكر منها يسيرا من فضائله، وبدائع فواضله، ويكفيك أن شرح سيرته -عليه السلام- ووقعاته وفتوحاته يطول، ويحتاج إلى أبواب وفصول، وشهرته في حسن السياسة، وبلوغ الغاية القصوى في الرئاسة، ونعمته [النعمة] الشاملة على الموالي، ونقمته القاصمة للمعادي والقالي، وبسياسته الواسعة وعنايته النافعة في الجوامع والحصون، والمناهل والمساكن يغني عن تحقيق سيرته في بطون الأوراق؛ إذ هي شائعة في جميع النواحي والآفاق.
Page 180