وهل ينبت الخطي إلا وشيجة
وتغرس إلا في منابتها النخل وقيل في وفاة والده وقيامه: بليغات الأشعار، الجامعة بين التهاني والتعازي، وجمع في ذلك الوقت الفرح والترح، وكادت الأرض بعد ميدانها أن تختال وتميس من الفرح، وجمع الشعراء بين التهنئة وبليغ التسلية، فمن أحسن ما قيل في هذا المعنى: القصيدة الرائقة، ذات المعاني الفائقة، التي أنشأها حي السيد الأفضل الفصيح المقول شرف الدين الحسن بن عبد الله بن قاسم القطابري، جمع بين أكثر أبياتها، بين التهنئة والتعزية، وسأذكرها إن شاء الله في آخر الكلام، فإن بليغ القول يشفي الأوام، ويهيج الغرام، ولما تقلد القيام بأمر الإمامة، وكشف عنهم دياجير الظلمة، أرسل دعاته إلى جميع الجهات، فسلموا إليهم الواجبات على اختلاف الأجناس والصفات، في الجهات الخولانية والأقطار اليمنية، وواصله صاحب مكة المشرفة، وغيره من الملوك، وأرسل ولاته إلى ينبع والصفراء، وما يليها من الجهات والقرى، فجاءوا بمصالح تترى، وطاف -عليه السلام- [في] الجهات اليمنية، وانتهض لذلك من ساقين في النصف الأول من شهر ذي الحجة سلخ السنة المذكورة آنفا، سار في طيافتها سيرة ذكية الأعطاف حميدة الأطراف، حاكية لسيرة الآباء والأسلاف، مصاحبا بحسن النية وصفاء الطوية، والعدل في كل قضية، ولما انتهى إلى حول هجر الأهنوم أرسل عمه السيد المقام الأفضل، البر التقي الأكمل: صلاح الدين المهدي بن أمير المؤمنين داعيا لأهل الهجر إلى طاعته والتمسك بأهداب هدايته، فانقادوا إلى تسليم الحقوق فورا وخشيوا من سطوة جنده، ووقعت في قلوبهم [له] هيبة عظيمة، وراموا منه عدم الدخول [إلى مكانهم] إشفاقا، وخوفا، وفرقا، فواجهه من كبارهم طائفة، فألان لهم المقال، وقابلهم بكريم الأفعال، وشملهم بعظيم النوال، طلبا منه للرضى بدخوله، فأبوا إلا النفار وعدم القرار، وخرجوا إلى حول ماجل حميد شاهرين لسلاح العصيان، رائمين لمكاشحة إمام الزمان، فنهض بعض إخوته في جماعة، وفرقوا شملهم في تلك الساعة، ودخل مكانهم قهرا، وأقام فيه قسرا، وبسط لهم بعد ذلك بساط الأمان، وأراهم من العدل والرفق ما قربه [منهم] كل جنان ، وقبض الحقوق كاملة، وعاملهم أحسن معاملة، ثم نهض قاصدا إلى كحلان تاج الدين، وفيه عن أمره صنوه السيد [المقام] الهمام، الهزبر، الضرغام، جمال الملة والإسلام: عز الدين بن الإمام، وهو من أفاضل الآل، وممن اشتهر بالجود والمجد والنوال، واتسم بحسن الشمائل وصفات الكمال، وكان الخليفة في مدة والده في البلاد اليمنية والمعاقل العلية، وإقامته في أكثر الزمان في كحلان تاج الدين وهو الذي استفتح في مدة والده [أكثر] المعاقل، وخضع لهيبته كل معاند ومناضل، ولم يزل يستفتح المعاقل الرفيعة، والأماكن المنيعة، ويقود الجيوش والجنود، ويستأصل شأفة كل معاند وحسود، حتى عظمت هيبته واشتدت وطأته، وخيفت صولته، وارتفعت كلمته.
Page 171