Dawla Umawiyya Fi Sham
الدولة الأموية في الشام
Genres
وقال محمد بن علي أيضا: «أبى الله أن تكون شيعتنا إلا أهل خراسان، ولا ننصر إلا بهم، ولا ينصرون إلا بنا، إنه يخرج من خراسان سبعون ألف سيف مشهور، قلوبهم كزبر الحديد، يطوون ملك بني أمية طيا ويزفون الملك إلينا زفا.»
9
ثم إن خراسان بلاد بعيدة عن عاصمة الخلافة الأموية، وليس للعرب بها سلطان قوي أو نفوذ عظيم، فيمكن للحركة العباسية أن تنمو وأن تثبت تجاه القوى الأموية، وأن ينتقل رجالها في جبالها ووهادها انتقالا سريعا قبل أن يكون للحكومة الوقت الكافي لتشتيت شملهم والقضاء عليهم.
والحقيقة التي لا غبار عليها أن دعاة العباسيين أظهروا مهارة تامة في تكتمهم، فحذروا حذرا شديدا من العرب في فارس، وكانوا لا يفشون أسرارهم إلا للمخلصين لهم، ويأخذون عليهم العهود والمواثيق المؤكدة، وأظهروا براعة تامة في تمثيل جور بني أمية واعتدائهم وتهتكهم واستهتارهم واستخفافهم بأمور الدين والشريعة المطهرة، وجعلوا يسيرون من مقاطعة إلى مقاطعة ومن كورة إلى كورة فيدعون الناس إلى مبادئهم فيستجيبون لهم.
قال الدينوري: «وقد ساروا - دعاة العباسية - من مدينة مرو إلى بخارى، ومن بخارى إلى سمرقند، ومن سمرقند إلى كش ونسف، ثم عطفوا على الصغانيان، وجازوا منها إلى ختلان، وانصرفوا إلى مرو الروذ والطالقان، وعطفوا إلى هراة وبوشنج، وجازوا إلى سجستان، فغرسوا في هذه البلدان غرسا كثيرا وفشا أمرهم في جميع أقطار خراسان، فطلبهم عمال بني أمية فلم يدركوا لهم أثرا.»
10 (ب) زعماء العباسيين
أما أشهر رجال الدعوة العباسية العاملين فكانوا بكير بن ماهان، وهو شاب فارسي غني وخطيب مفوه، وسليمان بن كثير، ولاهز بن قريط، وقحطبة بن شبيب، وغيرهم من رجال الفرس والشيعة، وقد خدموا القضية العباسية خدمة كبرى فضحوا بأموالهم وأوقاتهم وراحتهم في سبيلها.
وعقب محمد بن علي ابنه إبراهيم المعروف بالإمام. وكان ساعده الأيمن وعضده المتين شاب فارسي يدعى أبا مسلم الخراساني. ولد أبو مسلم حوالي سنة 100 هجرية/718م في رستاق فريدين من قرية تسمى سنجرد، وقيل إنه من قرية ماخوان على بعد ثلاثة فراسخ من مرو، وتعاطى والده التجارة بين خراسان والعراق، فجلب إلى الكوفة الأغنام والمواشي ورجع حاملا منها المنسوجات والمحصولات العراقية، وقد ضمن مرة بعض رساتيق للحكومة وقاطع عليها فلحقه عجز فيها وناء تحت أعباء الديون، فهرب مع زوجته «وشيكة» وهي كوفية الأصل فارسية التربية، وعرج في طريقه على رستاق لبعض أصدقاه وهم آل العجلي بماه البصرة مما يلي أصبهان، ونزل عندهم ضيفا كريما، ولما اشتد طلب الحكومة له التجأ إلى أذربيجان فمات بها.
نشأ أبو مسلم في بيت عيسى ومعقل ابني إدريس العجلي، فتعهداه وأرسلاه إلى المدرسة مع أولادهما، فخرج أديبا لبيبا يشار إليه بالبنان حسب رواية ابن خلكان. (ج) خراسان بركان الثورة العباسية
ثم دارت الأيام دورتها وانتشرت الدعوة العباسية في خراسان وفارس، فاشترك آل العجلي في المؤامرة على الدولة الأموية، وراحوا يشجعون الناس على تأخير الخراج عن خزينة الحكومة، فقبضت عليهم وساقتهم إلى واسط، وهناك صدر الأمر بسجنهم. فلحق بهم أبو مسلم يخدمهم ويختلف إليهم في حبسهم، فاجتمع مدة إقامته في واسط بدعاة العباسيين واتصل بنقبائهم، فمال إلى مناصرتهم انتقاما من أولئك الذين سببوا نكبة عائلته وسجن أوليائه. فلما آنسوا منه الذكاء وتوقد الخاطر أوعزوا إليه بالمسير إلى محمد بن علي زعيمهم وهو في الحميمة من أعمال الشام، فركب إليه فاستقبله واستخدمه في بث الدعوة فوجده كثير العبرة مخلصا.
Unknown page