تارةً ما لا يلائم الطبعَ وينافِره، كالحلاوة والمرارة والفرح والحزن واللذّة والألم، وتارةً كونُ الشيء صفةَ كمالٍ أو نقصٍ، كالعالم والجهل والشجاعة والجبن والقدرة والعجز ونحو ذلك. وهما بهذين المعنَيين عقليّان، أي يُعرفان بالعقل. وفي هذا الإِطلاق نظرٌ أو تجوّزٌ. فإنهما بالمعنى الأوّل إِنما يُعرَفان بالطبع والحسّ والوجدان؛ والأمرُ قريبٌ. "وتارةً يُراد بهما كونُ الفعل موجِبًا للثواب والعقاب والمدح والذمّ، وهما بهذا المعنى شرعيّان عندنا، خلافًا للمعتزلة". هذه عبارته في المحصّل.
وقال في المحصول: "النزاع في كون الفعل متعَلِّقُ الذمِّ عاجلًا والعقابِ آجلًا".
قلتُ: ولفظ "التعلف"- أَعَني كونَ الذِّم متعلِّقًا بالفعل، أو الفعل متعلَّقّا للذمِّ- لا يدلّ على أنّ العقل موجبٌ لذلك. وفي عبارة المحصّل صرَّح بلفظ "الوجوب"؛ فظاهرُه ظاهرُ كلامِ الأوّلين قبله، في أنّه فهم أنّ مذهب المعتزلة أنّ العقل موِبٌ.
وناقشه القرافي على عبارة المحصول في شرحه له، بأن قال: "النزاع في كون الفعل متعلَّقًا للذمّ أو العقاب"، مُشعرٌ بأن ترتب الذمِّ والعقاب على الفعل متنازعٌ فيه.
وليس كذلك عندنا ولا عندهم؛ إذ يجوز أن يُحرِّم الله تعالى ويوجِب، ولا يُعَجِّل ذمًّا أصلًا، بل يحصل المقصود بالوعيد من غير ذم. ويجوز أن يُكلف، ولا يؤجِّل العقابَ، بل يُعجِّله عقيب الذنب؛ كما أهلك كثيرًا من المجرمين عقيبَ ذنوبهم. لكنّ الله سبحانه قدّر بإِرادته تعجيلَ الذمِّ وتأخير العقابِ. وغيره ممكنُ عند الفريقين. وإِنما النزاع في كون الفعل متلَّق المؤاخَذة الشرعيةِ كيف كانت، ذمًّا أو غيره، عاجلةً أو آجلةً، هل يستقلُّ العقلُ بذلك أم لا؟ "
قلتُ: هذا كلامٌ جيدٌ لا غبار عليه. هذا الذي حضَر مِن حكاية كلامهم. وظاهر أكثره أنّ العقل موجبٌ ومحرِّمٌ على جهة الاستقلال، لاستقلال الحُسنِ والقبحِ بترتب الأحكامِ، لارتباطها بها عقلًا. والذى يدل قطعًا أنهم فهموا أنّ الفضلاء المعتبرين
1 / 82