والذي نختاره أنّ محلّ العقل الدماغ؛ لأنّ أدلّته أقوى وأسلمُ من المعارِض. وقد حُكِي عن الحَسَن وعطاءٍ أنّ الله سبحانه بعث العقلَ والحياء والسخاء إِلى آدم ليختار أحدَهما. فقال للعقل: "أين تكون أنت؟ " قال: "في الرأس". وقال للحياء: "أين تكون أنت؟ " قال: "في العين". وقال للسخاء: "وأنت؟ " قال: "في القلب". فقال للعقل: "قد اخترتُك". فقالا: "لو اخترتَ غيره، ما صحبناه".
وعلى هذه الحكاية إِشكالٌ. وهو أن يُقال: كيف كان آدم عاقلًا قبل العقل، حتى اختار العقلَ؟ وجوابه أنّه اختاره بالإلهام، كما تختار البهائمُ الأصلحَ لها، ولا عقلَ لها. ولعلّ آدم إنما اختار العقلَ لعلوّ همّته لاختياره أعلى العاقل، فهو موافقٌ لقوله ﵇، "إِنّ الله يحبّ معالي الأمور ويكره سفسافها". والله أعلم.
المسألة الرابعة: في فعلِ العقل وأثره
وهو الإِرشاد والهداية إِلى الصواب، إِذ خلا عن معارضٍ، من غلبةِ هوًى، أو فسادٍ في مزاجه، ونحو ذلك. والدليل عليه ما تواترت به، آي القرآن، من قوله تعالى، ﴿إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون﴾، ﴿لأولى الألباب﴾. ولو لم يكن العقل هاديًا ومرشِدًا إِلى الصواب والحقّ، لما كان لتخصيص العقلاء بهذا الخطاب معنًى، ولما كان بينهم وبين البهائم فَرقٌ، ولما قامت حجة الله على ابن آدم. لأنّه بالعقل يَفهم خطابَ التكليف، فتتحقّق منه الطاعةُ والمعية، فيَحقّ له الثوابُ، وعليه العقابُ. ولهذا، رُفِع القلم التكليفيّ عن الصبيّ والمجنون والبهائم.
وقد سبق بيانٌ كيفية إرشاده. وهو أنّ نورَه يفيض على القلب من الدماغ. فمَن أراد اللهُ ﷿ إِرشادَه. جمع بين نور عقله وبصرِ قلبه بلا حائلٍ، ثمّ أيّدَهما بنورِ
1 / 78