الأكفّاء في ميمنة العسكر وميسرته وقلبه؛ ولو اجتمعوا في موضعٍ واحدٍ، لانكسر من الجهة الأخرى. وكما تُفرَّق الحكّامُ والولاةُ في البلدان لإِصلاحها. واستعانة السلطان بالوزير لا تتوقّف على كونه معه بالمدينة؛ إِذ قد يُستعان برأيه على بُعد المسافة.
الثالث: وهو من أدلّة المشرِّعين، قوله تعالى: ﴿لَهٌمْ قُلُوب لا يَفقهُونَ بِهَا﴾، ﴿يَعْقِلُون بها﴾؛ ﴿إِنَ في ذَلِك لَذِكْرَى لِمن كانَ لهُ قَلْبٌ﴾؛ ﴿فإنها لا تعْمى الأبْصار ولَكن تَعْمَى القُلُوبُ التي في الصدُور﴾؛ ونحوه من الآي التي يُضاف فيها العقلُ أو أثره كله، وإِذا فسدت فسد الجسدُ كله؛ ألا وهي القلب". والجسد يفسد بفساد العقل؛ فدلّ على أنّه في القلب.
والجواب عن هذا جملةً وتفصيلًا:
أمّا الأوّل، فإنّ العقل والقلب، مع اختلاف مكانهما من الإِنسان، يتعاونان على صلاح البدن والنفس؛ إِذ نسبةُ العقل إِلى القلب نسبةُ ضوء الشمس ونحوها إلى العين. وكما لا إِدراك للبصر بدون واسطة الضوء، فلا إِدراك للقلب ولا اهتداء بدون العقل. إِذ نور العقل مشرِقٌ على القلب؛ فيه يهتدي ويدرِك ما يحتاج إِليه. فلمّا كان بينهما هذا التعاضد، كانا كالشيء الواحد المركب من جزأين. فصحّ أن يُتجوّز بأحدهما عن الآخر ويُضاف أحدُهما إِلى الآخر، على مذهب العرب في تجوُّزها عن الشيء بغيره، مِن لازمٍ، أو علّةٍ، أو سببٍ، أو مجاوِرٍ، أو مقارِنٍ، ونحو ذلك.
وأمّا الثانى، فقوله، ﴿لا يفقهونَ﴾، و﴿لا يعقلون بِهَا﴾، أي لا يَتلقّون بقلوبهم عن العقل ما يفقه ويعقله من خطابه المرشد لهم إِلى السعادة؛ لأنّ العقل هو آلة الفقه والفهم، لا القلب. وذلك لأنّا قد بيّنّا أنّ العقل هو آلة الفقه والفهم، لا القلب. وذلك لأنّا قد بيّنّا أنّ اهتداء القلب بما يُشرِق ويفيض عليه من نور
1 / 76