87

Dalil Falihin

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين

Publisher

دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع

Edition Number

الرابعة

Publication Year

١٤٢٥ هـ - ٢٠٠٤ م

Publisher Location

بيروت - لبنان

لكنه أعان على نفسه، فإنه لما آيسه من التوبة قتله بحكم سبعيته ويأسه من رحمة الله وتوبته عليه (ثم) لما لم يزل لطف الله تعالى مصاحبًا لذلك القاتل بقي في نفسه الرغبة في السؤال عن حاله فما زال يحثه على هذا الأمر حتى (سأل) ثانيًا (عن أعلم أهل الأرض) أي: في ذلك الزمن (فدل على رجل) أتى به توطئة لقوله: (عالم فقال) عطف على مقدر أي فأتاه فقال وحذف لذكره في نطيره (إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟) أي: مقبولة (فقال) ناطقًا بالحق والصواب، مجيبًا عن السؤال، منكرًا على من ينفيها عنه (نعم، ومن) استفهام إنكار أي شيء (يحول) بالحاء المهملة، أي يكون حائلًا وفاصلًا (بينه) أي التائب من الذنب (وبين التوبة) وعبر بمن تغليبًا أي لا مانع بينك وبينها من شخص ولا غيره، وأتى بضمير الغائب مراعاة لحسن الأدب في الخطاب، وهو ألا يضاف ما فيه لوم ولو على سبيل الرمز للمخاطب. وقبول توبة القاتل عمدًا مذهب أهل العلم وإجماعهم، ولم يخالف أحد منهم إلا ابن عباس، وما نقل عن بعض السلف من خلاف ذلك فمراد قائله الزجر والتورية لا اعتقاد بطلان توبته، وهذا الحديث ظاهر فيما قاله أهل العلم، وهو إن كان شرعًا لمن قبلنا، وفي الاحتجاج به خلاف فليس هذا من موضع الخلاف، إنما موضعه إذا لم يرد شرعنا بموافقته وتقريره، فإن ورد كان شرعًا لنا بلا خلاف، وهذا ورد شرعنا به، قال تعالى: ﴿والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر ولا يقتلون﴾ - إلى قولهـ ﴿إلا من تاب﴾ (٦٨ - ٧٠) الآية. وجاءت أحاديث كثيرة بمعنى ذلك. وأما قوله تعالى: ﴿ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها﴾ (النساء: ٩٣) فالصواب في معناه أن جزاءه جهنم وقد يجازى بها، وقد يجازى بغيرها، وقد لا يجازى بل يعفى عنه. كذا في «شرح مسلم» للمصنف. ثم إن العالم دلّ السائل على ما فيه نفعه بقوله: (انطلق إلى أرض كذا وكذا) اسمها بصرى، واسم القرية التي كان بها كفرة رواه الطبراني. ليفارق دار الفساد وأصحابه الذين كانوا يعينونه عليه ما داموا كذلك. قال القرطبي: وبهذا يعرف فضل العلم على العبادة، لأن الأول

1 / 109