وبقي سر هذا الاجتماع مكتوما بعد أن تعهد كل من حاضريه للمركيزة أن لا يبوح بما سمعه منه أو رآه.
وفي الصباح، وهو اليوم السابق على يوم السفر إلى جنج، زارت المركيزة جمعيات أفينيون الخيرية وأماكنها الدينية، ووزعت فيها الصدقات الواسعة، طالبة من أهلها أن يقيموا الصلاة لأجلها ويستمطروا رحمة الله وبركاته عليها، حتى إذا ما ماتت تموت شهيدة مأجورة.
وفي المساء زارت جميع أصدقائها ومحبيها، وودعتهم والدموع تسيل على وجناتها وداع من لا يعود.
وقامت المركيزة ليلتها تصلي، ولما دخلت عليها وصيفتها لتوقظها عند الصباح وجدتها راكعة في المكان الذي تركتها فيه بالعشي.
وسافر آل جنج إلى مدينتهم دون أن يحدث حادث لهم في الطريق، ولما وصلت المركيزة إلى القصر وجدت فيه حماتها، فرأت منها سيدة كاملة نقية؛ فائتنست بوجودها، وهدأ لها روعها، ولم تعلم أنها لن تلبث في صحبتها إلا قليلا.
وأعد القوم للمركيزة أجمل غرفة في القصر، وكانت الغرفة في الطبقة الأولى منه، ومطلة على حوش لا منفذ له محاط من الخارج بإصطبلات القصر.
وما كادت المركيزة أن تخلو بنفسها في الغرفة عند الرقاد حتى عاد إليها روعها، فقامت تسبر جدران الغرفة وتبحث وراء أستارها وتحت فرشها بكل دقة وانتباه، فلم تدع مكانا للريب إلا فحصته.
ولم تمض بضعة أيام حتى بارحت القصر أم المركيز عائدة إلى مونبلييه. وفي اليوم الثالث لسفرها احتج المركيز بأعمال هامة تدعوه للسفر إلى أفينيون، فبارح القصر أيضا، وبقيت المركيزة في صحبة سلفيها وخوري يدعى بيريت، وهو رجل مضى عليه في خدمة آل جنج نيف وخمس وعشرون سنة، ولم يكن في القصر عدا من ذكرناهم سوى الخدم.
واهتمت المركيزة عند حلولها في المدينة بالتعرف بأهلها واستخلاص نخبتهم أصدقاء لها، وهان عليها الأمر؛ حيث كان لها من مركزها وآدابها ما يدعو كل إنسان إلى التقرب لها والتشرف بمعرفتها، فائتنست بأصدقائها الجدد، وزال عنها بعض الضجر من عزلتها في القصر.
وقد أحسنت المركيزة باتخاذها الأخدان؛ حيث تسلت بهم في وحدتها وساعدوها على قضاء أوقاتها، خصوصا بعد أن كتب لها زوجها بوجوب بقائها في جنج فصل الشتاء أيضا.
Unknown page