إلا بقايا من أناس بهم ... إلى سبيل المكرمات يهتدى
كالسيد أبي الحسن أحسن الله إلى الدنيا ببقائه. وأما أكثر من تقدم فالغالب على طباعهم الأنفة من السؤال بالشعر، وقلة التعرض به لما في أيدي الناس، إلا فيما لا يزرى بقدر ولا مروءة كالفلتة النادرة والمهمة العظيمة، ولهذا قال عمر ﵁: نعم ما تعلمته العرب الأبيات من الشعر يقدمها الرجل أمام حاجته.
ألا ترى أن لبيد بن ربيعة لما بعث إليه الوليد بن عقبة مائة من الإبل ينحرها كعادته عند هبوب الصبا، وقد أسن وأقل، وكان يطعم الناس ما هبت الصبا، قال لابنته: اشكري هذا الرجل فإني لا أجد نفسي تجيبني، ولقد أراني لا أعيا بجواب شاعر، فقالت هذه الأبيات:
إذا هبت رياح أبي عقيل ... دعونا عند هبتها الوليدا
أغر الوجه أبيض عبشميًا ... أعان على مروءته لبيدا
بأمثال الهضاب كأن ركبًا ... عليها من بني حام قعودا
أبا وهب جزاك الله خيرًا ... نحرناها وأطعمنا الثريدا
فعد إن الكريم له معاد ... وظني بابن أروى أن يعودا
وعرضتها عليه فقال: لقد أجدت لولا أنك استعدت، كراهية في قولها:
فعد إن الكريم له معاد ويروى: لولا أنك استزدت.
وقالوا: كان الشاعر في مبتدأ الأمر أرفع منزلة من الخطيب؛ لحاجتهم إلى الشعر في تخليد المآثر، وشدة العارضة، وحماية العشيرة، وتهيبهم عند شاعر غيرهم من القبائل؛ فلا يقدم عليهم خوفًا من شاعرهم على نفسه وقبيلته، فلما تكسبوا به وجعلوه طعمة وتولوا به الأعراض وتناولوها صارت الخطابة
1 / 82