وكان الزبير غائبًا بالطائف، فلما وصل إلى مكة وبلغه الخبر قال:
فلولا نحن لم يلبس رجال ... ثياب أعزة حتى يموتوا
ثيابهم سمال أو طمار ... بها ودك كما دسم الحميت
ولكنا خلقنا إذ خلقنا ... لنا الحبرات والمسك الفتيت
وهجا رجل من بني حرام الفرزدق، فجاء به قومه يقودونه إليه، فقال الفرزدق:
ومن يك خائفًا لأذاة شعري ... فقد أمن الهجاء بنو حرام
هم قادوا سفيههم وخافوا ... قلائد مثل أطواق الحمام
وهجا الأحوص بن محمد الأنصاري رجلًا من الأنصار يقال له ابن بشير وكان مكثرًا فاشترى هدية، ووفد بها على الفرزدق مستجيرًا به، فأجاره، ثم قال: أين أنت من الأحوص بن محمد؟ فقال: هو الذي أشكو، فأطرق الفرزدق ساعة ثم قال: أليس الذي يقول:
ألا قف برسم الدار فاستنطق الرسما ... فقد هاج أحزاني وذكرني نعمى
قال: بلى، قال: والله لا أهجو شاعرًا هذا شعره، فاشترى ابن بشير أنفس من الهدية الأولى وقدم بها على جرير، فاستجاره فأجاره، ثم قال له: ما فعل ابن عمك الأحوص بن محمد؟ قال: هو صاحبي الذي هجاني، قال: أليس القائل:
تمشى بشتمي في أكاريس مالك ... يشيد به كالكلب إذ ينبح النجما
قال: بلى، قال: والله لا أهجو شاعرًا هذا شعره، فاشترى أكثر من الهديتين وأهداها إلى الأحوص وصالحه.
ولهذا وأمثاله قال جرير لقومه يعاتبهم في قصيدة خاطب فيها أباه وجده الخطفي ممتنًا عليهم بنفسه:
1 / 66