الخلاف الحقيقي بين طائفتين مثلا لا يرتفع بالحمل محمول على من لم يعرف قواعد هذا الكتاب لأن الخلاف الذي لا يرتفع من بين أقوال أئمة الشريعة مستحيل عند صاحب هذه الميزان فامتحن يا أخي ما قلته لك في كل حديث ومقابله أو كل قول ومقابله تجد كل واحد منهما لا بد أن يكون مخففا والآخر مشددا ولكل منهما رجال في حال مباشرتهم الأعمال ومن المحال أن لا يوجد لنا قولان معا في حكم واحد مخففان أو مشددان * وقد يكون في المسألة الواحدة ثلاثة أقوال أو أكثر وقول مفصل فالحاذق يرد كل قول إلى ما يناسبه ويقاربه في التخفيف والتشديد حسب الإمكان * وقد قال الإمام الشافعي وغيره أن إعمال الحديثين أو القولين أولى من إلغاء أحدهما وإن ذلك من كمال مقام الإيمان * وقد أمرنا الله تعالى بأن نقيم الدين ولا نتفرق فيه حفظا له عن تهدم الأركان * فالحمد لله الذي من علينا بإقامة الدين وعدم اضجاعه حيث الهنا العمل بما تضمنته هذه الميزان * وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تبوء قائلها غرف الجنان * وأشهد أن سيدنا ومولانا محمدا عبده ورسوله الذي فضله على كافة خلقه وبعثه بالشريعة السمحاء وجعل إجماع أمته ملحقا في وجوب العلم بالسنة والقرآن * اللهم فصل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين * وعلى آلهم وصحبهم أجمعين وجميع التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين * صلاة وسلاما دائمين بدوام سكان النيران والجنان * آمين اللهم آمين وبعد فهذه ميزان نفيسة عالية المقدار حاولت فيها ما بنحوه يمكن الجمع بين الأدلة المتغايرة في الظاهر وبين أقوال جميع المجتهدين ومقلديهم من الأولين والآخرين إلى يوم القيامة كذلك ولم أعرف أحدا سبقني إلى ذلك في سائر الأدوار * وصنفتها بإشارة أكابر أهل العصر من مشايخ الإسلام وأئمة العصر بعد أن عرضتها عليهم قبل إثباتها وذكرت لهم إني لا أحب أن أثبتها إلا بعد أن ينظروا فيها فإن قبلوها أبقيتها وإن لم يرتضوها محوتها فإني بحمد الله أحب الوفاق وأكره الخلاف لا سيما في قواعد الدين * وإن كان الاختلاف رحمة بقوم آخرين * فرحم الله من رأى فيها خللا وأصلحه نصرة للدين * وكان من أعظم البواعث لي على تأليفها للإخوان فتح باب العمل بما تضمنه قوله تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه وليطابقوا في تقليدهم بين قولهم باللسان * إن سائر أئمة المسلمين على هدى من ربهم وبين اعتقادهم ذلك بالجنان * ليقوموا بواجب حقوق أئمتهم في الأدب معهم ويحوزوا الثواب المرتب على ذلك في الدار الآخرة ويخرج من قال ذلك منهم بلسانه إن سائر أئمة المسلمين على هدى من ربهم ولم يعتقد ذلك بقلبه عما هو متلبس به من صفة النفاق الأصغر الذي ذمه رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سيما وقد ذم الله سبحانه وتعالى منافقي الكفار بنفاقهم زيادة على حصول ذمهم بصفة كفرهم في نحو قوله تعالى يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومعلوم أن كلما عابه الله تعالى على الكفار فالمسلمون أولى بالتنزه عنه وعما يقرب من شبه صورته ويسد المقلدون باب المبادرة إلى الانكار على من خالف قواعد مذاهبهم ممن هو من أهل الاجتهاد في الشريعة فإنه على هدى من ربه وربما أظهر مستنده
Page 4