Culama Muslimin
علماء المسلمين والوهابيون
رآه الأئمة يخل بشعار الدين فعلا أو تركا أبقوه على التشديد وكلما رأوا أن به كمال شعار الدين لا غير ولا يظهر به نقص فيه أبقوه على التخفيف إذ هم أمناء الشارع على شريعته من بعده وهم الحكماء العلماء فافهم فإن قلت إن بعض المقلدين يزعم أن إمامه إذا قال بعزيمة لا يقول بالرخصة أبدا وإذا قال برخصة لا يقول بمقابلها من العزيمة أبدا بل كان إمامه ملازما قولا واحدا يطرده في حق كل قوي وضعيف حتى مات وأنه لو عرض عليه حال من عجز عن فعل العزيمة لم يفته بالرخصة أبدا فالجواب أن هذا اعتقاد فاسد في الأئمة ومن اعتقد مثل ذلك في إمامه فكأنه يشهد على إمامه بأنه كان مخالف لجميع قواعد الشريعة المطهرة من آيات وأخبار وآثار كما مر بيانه آنفا وكفى بذلك قدحا وجرحا في إمامه لأنه قد شهد عليه بالجهل بجميع ما انطوت عليه الشريعة من التخفيف والتشديد فالحق الذي يجب اعتقاده في سائر الأئمة رضي الله عنهم أنهم إنما كانوا يفتون كل أحد بما يناسب حاله من تخفيف وتشديد في سائر أبواب العبادات والمعاملات ومن نازعنا في ذلك من المقلدين فليأتنا بنقل صحيح السند عنهم بأنهم كانوا يعممون في الحكم الذي كانوا يفتون به الناس في حق كل قوي وضعيف ونحن نوافقه على ما زعمه ولعله لا يجد في ذلك نقلا عنهم متصل السند منهم إليه نلتزمه حجة له أبدا على هذا الوجه أي بل لا بد لنا من القدرة بمشيئة الله تعالى على القدح في فهم ذلك المقلد لعبارة ذلك الإمام رضي الله تعالى عنه فإن من المعلوم أن جميع أقوال المجتهدين تابعة لأدلة الشريعة من تخفيف أو تشديد كما مر آنفا بحكم المطابقة فما صرحت الشريعة بحكمه لا يمكن أحدا منهم الخروج عنه أبدا وما أجملته أي ذكرته ولم تبين مرتبته فإن المجتهدين يرجعون فيه إلى قسمين قسم يخفف وقسم يشدد بحسب ما يظهر لهم من المدارك أو لغة العرب كما يعرف ذلك من سير مذاهب الأئمة وذلك نحو حديث إنما الأعمال بالنيات أو حديث لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه أو لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب أو لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد فإن من المجتهدين من قال لا صلاة أو لا وضوء لمن ذكر تصح أصلا ومنهم من قال لا صلاة كاملة ولا وضوء كامل ولفظ الأحاديث المذكورة يشهد لكل إمام لا سبيل لأحدهما أن يهدم قول الآخر جملة من غير تطرق احتمال أي معنى يعارض في ذلك أبدا وأقرب معنى في ذلك أن حكم الله تعالى في حق كل مجتهد ما ظهر له في المسائل الشرعية ولا يطالب بسوى ما يظهر له أبدا فإن قلت فإذن كان من كمال شريعة محمد صلى الله عليه وسلم التي اختص بها إنها جاءت على ما ذكر من التخفيف والتشديد الذي لا يشق على الأمة كل تلك المشقة وبذلك ونحوه كان صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين في تكميل أديانهم ودفع ما فيه مشقة عليهم فالجواب نعم وهو كذلك فرحم صلى الله عليه وسلم أقوياء أمته بأمرهم باكتسابهم الفضائل والمراتب العلية وذلك بفعل العزائم التي يترقون بها في درجات الجنة ورحم الضعفاء بعدم تكليفهم ما لا يطيقونه مع توفر أجورهم كما ورد في حق من مرض أو سافر من أن الحق تعالى يأمر الملائكة أن يكتبوا له ما كان يعمل صحيحا مقيما فعلم أن الشريعة لو كانت جاءت على إحدى مرتبتي الميزان فقط لكان فيها حرج شديد على الأمة في قسم التشديد ولم يظهر للدين شعار في قسم التخفيف وكان كل من قلد إماما في مسألة قال
Page 29