وَهُوَ الْمُخَالف لنا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، جَازَ لنا أَن نحمل الْمصدر وَإِن كَانَ أصلا للْفِعْل فِي بَاب الإعلال، وَقد استقصينا هَذِه الْمَسْأَلَة بِأَكْثَرَ من هَذَا الشَّرْح فِي (شرح كتاب سِيبَوَيْهٍ) .
وَاعْلَم أَن الْمصدر يقدر ب (أَن وَالْفِعْل) مَتى لم يعْمل فِيهِ فعله الْمُشْتَقّ مِنْهُ، فَإِن عمل فِيهِ فعله لم يقدر ب (أَن)، مِثَال قَوْلك: أعجبني ضرب زيد عمرا، فَلَو قلت: ضربت زيدا ضربا، لم يجز أَن تقدره ب (أَن) فَتَقول: ضربت زيدا، وَإِنَّمَا وَجب مَا ذَكرْنَاهُ، لِأَن لفظ الْمصدر لَا يدل على معنى معِين، فَإِذا قلت: أعجبني ضرب زيد، لم يعلم أَنه ضرب مَاض أَو مُسْتَقْبل أَو حَال، فتفصل ب (أَن وَالْفِعْل) لِأَن لفظ الْفِعْل يدل على زمَان مَخْصُوص، فَلهَذَا قدر ب (أَن) إِذا عمل فِيهِ غير فعله، وَأما إِذا عمل فِيهِ فعله فَلَا حَاجَة بِنَا إِلَى تَقْدِيره، لِأَن الْفِعْل الْمُتَقَدّم قد دلّ على الزَّمَان الَّذِي وَقع فِيهِ. وَأما قَوْله تَعَالَى: ﴿أَو إطْعَام فِي يَوْم ذِي مسغبة يَتِيما ذَا مقربة﴾ إِن قيل: أَيْن فَاعل (الْإِطْعَام)؟
قيل: هُوَ مَحْذُوف من الْكَلَام، للدلالة عَلَيْهِ.
فَإِن قيل: فَمَا الَّذِي يدل عَلَيْهِ؟
قيل: قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا أَدْرَاك مَا الْعقبَة﴾ ﴿٣٧ / ب﴾ هَذَا خطاب للنَّبِي ﷺ َ - دلّ ذَلِك على أَن الْفَاعِل هُوَ الْمُخَاطب، وَالتَّقْدِير: أَو إطْعَام أَنْت يَتِيما