Charles Darwin
تشارلز داروين: حياته وخطاباته (الجزء الأول): مع فصل سيرة ذاتية بقلم تشارلز داروين
Genres
سيدي العزيز
إنني في غاية الامتنان على خطابك المرسل بتاريخ 10 أكتوبر، من سيليبز، الذي تلقيته منذ بضعة أيام؛ إن التعاطف حين تكون المهمة مضنية عظيم القيمة ودعم حقيقي. أستطيع أن أرى بوضوح من خطابك، وأكثر منه بحثك [«عن القانون المنظم لاستقدام أنواع جديدة» (1855)] في مجلة «أنالز آند ماجازين أوف ناتشورال هيستوري»، منذ عام أو أكثر، أننا قد فكرنا بالطريقة نفسها لحد كبير، وتوصلنا لاستنتاجات متشابهة إلى حد ما. فيما يخص هذا البحث، فإنني أرى أن كل كلمة تقريبا جاءت فيه صحيحة؛ وأعتقد أنك ستوافقني الرأي أنه من النادر جدا أن تجد نفسك متفقا لدرجة كبيرة مع أي بحث نظري؛ إذ من المؤسف كيف يستخلص كل شخص استنتاجات مختلفة من الحقائق نفسها. بحلول هذا الصيف سيكون قد مضى عشرون عاما منذ فتحت أول دفتر لملاحظاتي حول المسألة المتعلقة بكيفية اختلاف الأنواع والضروب عن بعضها وسبل هذا الاختلاف. والآن أنا أعد عملي من أجل النشر، لكنني أجد الموضوع كبيرا جدا، حتى إنني، رغم كتابة عدة فصول، لا أعتقد أنني سوف أطبعه قبل عامين. لم أعلم حتى الآن بالمدة التي تنوي بقاءها في أرخبيل الملايو. أتمنى أن أستفيد من نشر تفاصيل أسفارك هناك قبل ظهور كتابي؛ فلا شك أنك سوف تحصل على كم هائل من الحقائق. لقد اتبعت نصيحتك بالفعل في التفرقة بين الضروب الداجنة وتلك التي في الطبيعة، لكنني شككت في الحكمة وراء هذا أحيانا؛ لذلك يسعدني أن تدعمني برأيك. مع ذلك لا بد أن أقر أنني أشك بالأحرى في صحة المعتقد السائد جدا الآن الذي يذهب إلى أن كل حيواناتنا الداجنة قد انحدرت من عدة سلالات برية؛ وإن كنت لا أشك أن الأمر كذلك في بعض الحالات. أعتقد أن هناك دليلا أفضل من ذلك الذي قلت به فيما يتعلق بعقم الحيوانات المهجنة. وفيما يتعلق بالنباتات، فإن مجموعة الحقائق التي دونها بترو كولروتير وجيرتنير (وهربرت) «هائلة ». أتفق معك تماما بشأن الآثار الضئيلة ل «الظروف المناخية»، التي نراها يشار إليها لدرجة تثير الملل في كل الكتب؛ أعتقد أن الأثر الذي يجب نسبه لتلك المؤثرات لا بد أن يكون قليلا جدا، لكنني أومن تماما أنها قليلة الأهمية جدا. من «المستحيل» حقا أن أشرح وجهات نظري (في إطار خطاب) بشأن أسباب التباين ووسائله في الطبيعة، لكنني تبنيت على نحو تدريجي فكرة واضحة وواقعية، أما إن كانت صحيحة أو خاطئة، فهذا ما يجب أن يحكم به الآخرون؛ إذ يبدو أن إيمان المؤلف الراسخ بصحة مبدئه، وإن بلغ أشده، للأسف، ليس ضمانا بصوابه على الإطلاق!
من تشارلز داروين إلى جيه دي هوكر
مور بارك، السبت [2 مايو، 1857]
عزيزي هوكر
لقد أثبت خلو النباتات الجبلية من الشعر بنجاح شديد. إن حالة نبات نفل الرمال «سترتبط» بحالة نباتات جبال البرانس التي تصير جرداء في المستويات المنخفضة. إن وجدت بحق أنني قد وسمت تلك الحقائق، فسوف أضع الدليل بين يديك. أتساءل كيف قد يكون نشأ هذا الاعتقاد؟! هل كان من خلال العلل الغائية لتنعم النباتات بالدفء؟ ربط فالكونر في حديث له بين حقيقتي النباتات والثدييات الجبلية المغطاة بالصوف. بأي حياد وتواضع تقبلت تذمري من قسوتك إزاء العلماء غير الجيدين؟ فبعد أن أرسلته، سألني صوت خفيض كريه بداخلي، مرة أو مرتين، لأي حد كان دفاعي النبيل عن الفقراء في الهمة والحقائق، راجعا إلى أنك كثيرا ما قضيت على أفكار مفضلة لدي؟ وحتى بعد أن أسكت في ازدراء هذا الصوت الخفيض الكريه، فقد أخذ يهمس لي مرة بعد الأخرى. أحيانا أحتقر نفسي لكوني جامع بيانات متواضعا بالشدة نفسها التي تتسنى لك، إلا أنني «لا» أحتقر عملي بأسره؛ إذ أعتقد أن ثمة قدرا كافيا من المعرفة لوضع أساس للنقاش حول أصل الأنواع. لقد حملت على احتقار نفسي والاستهزاء بها بصفتي جامعا للبيانات، لكتابة أن «النباتات الجبلية لديها زهور كبيرة» والآن ربما أستبدل بهذه الكلمات نفسها ما يلي: «النباتات الجبلية لديها زهور صغيرة أو عديمة البتلات!»
من تشارلز داروين إلى جيه دي هوكر
داون، 16 [مايو]، [1857]
عزيزي هوكر
قلت - أرجو أن تكون صادقا في قولك - إنك لم تكره طرحي أسئلة عليك حول نقاط عامة، ولك بالطبع أن تجيب أو لا، حسبما يسمح وقتك أو مزاجك. لاحظت في عالم الحيوان أن أي جزء أو عضو ينمو نموا طبيعيا (بعبارة أخرى، بلا تشوه) في أحد الأنواع بدرجة «عالية» أو «غير معتادة»، مقارنة بالجزء نفسه أو العضو في أنواع قريبة، يميل لأن يكون «متباينا جدا». لا يمكن أن يساورني الشك في ذلك بناء على ما لدي من كم من الحقائق المجمعة. على سبيل المثال، إن هيئة المنقار لدى طيور القرزبيل شاذة جدا مقارنة بطيور أخرى مشابهة في فصيلة الشرشوريات، والمنقار «متباين بشدة». وطائر أبو المغازل، المميز بسبب طول سيقانه العجيب، يتنوع طول سيقانه «بشدة». أستطيع إعطاء «العديد» من الأمثلة المدهشة والمثيرة للفضول في كل الطوائف؛ وهي متعددة جدا لدرجة أنني أعتقد أن الأمر ليس مصادفة. لكن «ليس» لدي أي أمثلة في عالم النبات، بسبب جهلي، على ما أعتقد. إن كان جنس النابنط يحتوي على «نوع» أو نوعين في مجموعة ذات أوراق تتحول إلى شكل جرة، فكان لا بد أن أتوقع أن يكون متباينا جدا؛ لكنني لا أعتبر النابنط مثالا هنا؛ فحين يكون جنس أو مجموعة بأسرها لديها عضو، مهما كان شاذا، لا أتوقع أن يكون متباينا؛ فقط حين يختلف نوع أو بضعة أنواع بدرجة كبيرة في جزء أو عضو ما عن الأشكال قريبة الصلة جدا به في جميع الجوانب الأخرى، أعتقد أن ذلك الجزء أو العضو يكون متباينا بدرجة كبيرة. هل ستفكر في هذا الأمر مليا؟ إنه قانون مهم وجلي بالنسبة لي.
Unknown page