Charles Darwin
تشارلز داروين: حياته وخطاباته (الجزء الأول): مع فصل سيرة ذاتية بقلم تشارلز داروين
Genres
عزيزي فوكس
لقد مضى وقت طويل منذ آخر تواصل بيننا، وإنني أريد حقا معرفة كيف حالك؛ لكن هدفي الحالي هو أن أطلب منك رصد أمر ما من أجلي، ولأنني أعلم أنك الآن رجل مشغول للغاية ولديك الكثير جدا لتفعله، فإن احتمال أن تفعل ما أريد كبير؛ فلا جدوى أن تطلب شيئا من رجل متعطل تماما. حيث إن لديك مجموعة متنوعة من الحيوانات، فلا بد أن لديك حماما. (كم أتمنى أن يكون حماما هزازا إن أمكن!) ما أريد معرفته الآن هو العمر الذي ينمو فيه ريش ذيل أفراخ الحمام بالقدر الكافي بحيث يمكن عده. لا أعتقد أنني رأيت حمامة صغيرة من قبل. إنني أعمل باجتهاد على ملحوظاتي، أجمعها وأقارن بينها، حتى أكتب خلال عامين أو ثلاثة كتابا يحتوي على كل الحقائق والحجج، التي يمكنني جمعها، عن وجهي مسألة عدم قابلية الأنواع للتغير. أريد الحصول على صغار سلالاتنا الداجنة، لأرى في أي سن صغيرة تظهر التغييرات ولأي درجة. لا بد أن أربي بنفسي الحمام (وهو ليس أمرا مسليا لي وإنما مضجر وبغيض) أو أشتري صغاره؛ لكن قبل الذهاب إلى البائع، الذي سمعت عنه من ياريل، أرغب حقا في معرفة شيء عن نموها، حتى لا أكشف عن جهلي الشديد؛ ومن ثم، أصير معرضا بشدة للغش والخداع. أما فيما يتعلق بنقطة ريش الذيل، فهي بالطبع مرتبطة بالنمو الغريب لريش الذيل في الكبار من الحمام الهزاز. إذا كانت لديك أي سلالة نقية من الدواجن، سأرجو منك دجاجة بالسن التالية تحديدا؛ أسبوع أو أسبوعين تقريبا. ولترسلها في صندوق بالبريد، إذا كنت لا تأبه لقتل واحدة منها؛ ولتسمح لي بسداد رسوم البريد. لا شك أنه سيسرني كثيرا أن يصلني فرخ حمام جبلي؛ فأنا أنوي استخلاص الهياكل العظمية، وبدأت للتو بالفعل المقارنة بين البط البري والداجن. وأعتقد أن النتائج غريبة بعض الشيء؛ إذ عند وزن العظام المتعددة بعناية شديدة، بينما اختلفت الأوزان التناسبية للاثنين كثيرا بعد تنظيفهما تماما، كان وزن قدم البطة الداجنة أكبر كثيرا. كم أتمنى لو أستطيع الحصول على بطة برية صغيرة في عمر أسبوع، لكن أعلم أن هذا شبه مستحيل.
أما أخبارنا، فليس لدي الكثير لأقوله؛ منزلنا الآن صاخب بالسعال الديكي لحد فظيع، لكن فيما عدا ذلك كل شيء على ما يرام. أما أفضل خبر عني على الإطلاق، فهو أنني انتهيت إلى حد كبير أخيرا من دراسة البرنقيلات الأزلية. وفي نهاية العام مرض اثنان من فتياننا الصغار مرضا شديدا بالحمى والتهاب الشعب الهوائية، وشتى أنواع الأمراض؛ لذلك بدافع الترفيه من ناحية، وبدافع تغيير المكان من ناحية أخرى، ذهبنا إلى لندن واستأجرنا منزلا لمدة شهر، لكن حاق الفشل الذريع بالأمر؛ حيث حل ذلك الصقيع المريع بمجرد أن ذهبنا، وساء الحال بجميع أطفالنا، وأصبت أنا وإيما بالسعال والبرد والروماتيزم طوال الوقت تقريبا. كان في مقدمة قائمة الأشياء التي نوينا أن نفعلها الذهاب لرؤية السيدة فوكس، لكن بعد الانتظار لبعض الوقت لنرى ما إذا كان الطقس سيتحسن، لم نحظ بيوم يستطيع كلانا الخروج فيه.
أرجو بحق ألا يمضي وقت طويل جدا قبل أن تستطيع زيارتنا. إن الزمن يداهمنا، والكهولة تلاحقنا. أرجو أن تطمئنا على نفسك وأسرتك الكبيرة كلها.
أعلم أنك ستساعدني «إذا استطعت» بمعلومات عن صغار الحمام؛ وفي كل الأحوال، فلتكتب لي في أقرب فرصة.
تحياتي لك عزيزي فوكس، صديقك الغالي المخلص
سي داروين
ملحوظة:
من بين جميع أنواع الأشياء المتفرقة التي أتسلى بها، أقارن بين بذور ضروب النباتات. كان لدي من قبل بعض بذور الكرنب البري التي أعطيتها شخصا ما، هل كان هذا أنت؟ ثمة احتمال كبير للغاية أنها قد جرى التخلص منها، فإذا لم يكن الأمر كذلك، فسيسرني كثيرا أن أحصل على القليل منها. [يشير الاقتباس التالي من خطاب إلى السيد فوكس (27 مارس، 1855) إلى موضوع الخطاب السابق نفسه، ويعطي لمحة عن «عمله عن الأنواع»: «الطريقة التي سأقتل بها الصغار ستكون بوضعها أسفل كوب زجاجي مع ملعقة صغيرة من الإيثر أو الكلوروفورم، على أن يكون الكوب ضاغطا على سطح مرن، وتركها لمدة ساعة أو اثنتين؛ فالصغار لديها قدرة كبيرة على التمسك بالحياة. (لقد قتلت من قبل عثا وفراشات بهذه الطريقة.) ستكون الطريقة المثلى أن ترسلها بمجرد أن تشتريها، في صندوق من الورق المقوى بالبريد؛ حيث يمكنك الكتابة عليه وربطه جيدا بحبل؛ وسوف تزيد من أسباب سعادتي حقا بأن تسمح لي بمعرفة رسوم البريد، إلخ. أقسم إنني لا أكاد أصدق أنه قد يكون ثمة «أحد» بهذا القدر من نقاء السريرة بحيث يتحمل هذه المشقة ويفعل شيئا بغيضا للغاية مثل قتل صغار الطيور؛ وإنني على يقين شديد أنني لا أعرف نفسا واحدة قد تفعل هذا، باستثنائك أنت. سوف أطلب منك شيئا آخر؛ إذا ماتت لديك طيور إناث عجوزة من أي من الدواجن المذكورة آنفا (عدا البط) أو كانت عجوزة لدرجة أصبحت معها «عديمة الجدوى»، فأرجو أن ترسلها لي عن طريق السكك الحديدية، موجهة إلى «سي داروين، عناية السيد أكتون، مكتب البريد، بروملي، كنت». هلا احتفظت بهذا العنوان باعتباره أقصر طريقة لإرسال الطرود؟ لكنني لا آبه كثيرا لهذا الأمر؛ حيث بإمكاني شراء الطيور العجوزة نافقة من بايلي لاستخلاص هياكلها العظمية. كان لا بد أن أكتب لك في الحال حتى لو لم يكن قد جاءني منك رد، حتى أرجوك ألا تكلف نفسك مشقة كبيرة بشأن الحمام؛ حيث إن ياريل قد أقنعني بأن أشرع في التربية، والآن أجهز مكانا، وقد كتبت إلى بايلي بشأن الأسعار، إلخ، إلخ. أود كثيرا (حين يتحسن بك الحال) أن أسمع «يوما ما» القليل عن «بطتك الصياحة الصغيرة»؛ لماذا سميت بهذا الاسم؟ ومن أين حصلت عليها؟ وكيف تبدو؟ كنت في غاية الجهل؛ فلم أعلم أن ثمة ثلاثة ضروب من دواجن دوركينج؛ ما أوجه اختلافها؟
نسيت ما إن كنت قد أخبرتك من قبل بهدف عملي الحالي؛ إنه النظر في كل الحقائق التي يمكنني أن أجمعها (وا أسفاه؛ وا أسفاه، كم أجد نفسي جاهلا!) في التاريخ الطبيعي (فيما يتعلق بالتوزيع الجغرافي والحفريات والتصنيف والتهجين والحيوانات والنباتات الداجنة، إلخ، إلخ، إلخ) لأرى لأي حد تؤيد أو تعارض فكرة أن الأنواع البرية قابلة أو غير قابلة للتغير: أعتزم بأقصى ما أوتيت من قوة أن أعطي كل الحجج والحقائق الخاصة بالطرفين. ولدي «عدد» من الناس الذين يساعدونني بكل السبل، ويسدون لي أفضل العون؛ لكن كثيرا ما يساورني الشك ما إن كان الموضوع سيفوق قدراتي تماما أم لا.
Unknown page