قلت: إذن، ما هي مشكلتك يا أستاذ دورنمات؟
قال: مشكلتي أننا نعيش في عالم جميل جدا، أو بالأصح ممكن أن يكون جميلا جدا، ولكنه في حقيقته قبيح جدا جدا.
قلت (وأنا أتلفت وأرى المنظر من حجرة مكتبه ومرسمه لوحة عبقرية تطل على بحيرة، كأنها من بحيرات الجنة، والبيت والمدينة والجبل وكل شيء جميل جدا): أنا لا أرى عالمك هذا قبيحا أبدا يا أستاذ دورنمات، فكيف تحس قبح العالم الخارجي وأنت هنا في كل هذا الجمال؟!
قال (ضاحكا): في الحقيقة أنا كنت أتحدث عن قبح الأفكار السائدة في عالمنا، إن دنيانا الحاضرة هي مصحة كبرى للأمراض العقلية في نظري، إن مسرحيتي الجديدة (مثلها مثل «علماء الطبيعة») تدور أيضا في مصحة أمراض عقلية؛ حيث يقوم كل مريض عقلي بتقمص شخصية تاريخية ما داخل المصحة؛ فأحدهم يعيش كنابليون ويتصرف ويفكر مثله، وهناك مريضة تتوهم أنها جان دارك، وتندمج إلى درجة أن تحس أنها مثل «جوديت» التي ورد ذكرها في الأساطير، وتحاول أن تعالج نابليون من تقمصه بالنوم معه كما فعلت جوديت، وهناك مريضان يتقمصان شخصية ماركس، أحدهما ماركس كما يحب أن يراه الروس، والآخر ماركس فوضوي، وهناك ماركس ثالث لا يظهر أبدا وهو الوحيد الذي قرأ «رأس المال» في «المراكسة» الثلاثة!
قلت: لقد حاولت قراءة رأس المال عدة مرات، ولكني كنت أتوقف فاشلا.
قال: حتى لنين نفسه لم يقرأه كله، بل أعتقد أن ماركس نفسه لم يكتبه كله، ولكن «إنجلز» ساعده في كتابته، ومن المضحك أنهم قد وجدوا أخيرا خطابا أرسله الناشر الذي كان قد تعاقد مع ماركس على نشر كتاب «رأس المال» وتأخر ماركس في تسلم أصول الكتاب وخطاب ينذره فيه الناشر بأنه إذا لم ينته من الكتاب في بحر شهر فسيعهد إلى غيره بكتابته.
قلت: وتصور لو كان أحد غير ماركس كتب «رأس المال»! كان الأمر يصبح مسرحية لدورنمات أليس كذلك؟! ولكن معنى هذا أنك درست الماركسية يا أستاذ دورنمات؟
قال: لقد قرأت كثيرا لماركس.
قلت: ودخلت مصحة نفسية (وضحكت).
قال: ولماذا تضحك؟! فعلا دخلتها، توجد مصحة أمراض نفسية قريبة جدا من هنا ومديرها صديقي، وكثيرا ما أذهب إلى هناك، وهي مصحة قديمة يرجع تاريخها إلى الوقت الذي كانت فيه هذه المنقطة تتبع بروسيا، ولقد دخلها كثير من الكتاب الأوروبيين المشهورين مثل «هيرمان هسه» و«كونراد ماير» و«لوبيدس»، ومن المضحك أن بيتر بروك (المخرج الإنجليزي المشهور أو بالأصح أشهر مخرج في تاريخ المسرح الإنجليزي) حين ذهبت معه لنتفقد المصحة تمهيدا لإخراج مسرحية «علماء الطبيعة» على المسرح، كانت مساعدة مديرة المصحة لها «قتب» وكانت عالمة طبيعة، وحين قدمتها إلى بيتر بروك قائلا: هذه هي عالمة الطبيعة، كادت تجن من الفرحة؛ لأنها ظنت أنها ستمثل الدور في المسرحية. •••
Unknown page