ولكن ماذا نفعل إذا وجدنا شابا راكدا لا ينبعث للدرس؟
يجب أن نثير إحدى عواطفه؛ أي: نبحث عن شيء مكظوم في نفسه ثم نرشده إلى دراسة تتصل اتصالا عضويا بهذا الشيء، ولكل منا كظوم مختلفة تجد الحل أو التخفيف في الدراسة، القاعدة الثانية للدرس هي أن نهتم؛ أي: نجعل الدراسة تتصل بعواطفنا وكظومنا.
وكما أننا لا نأكل ونهضم تماما إلا إذا اشتهينا الطعام، كذلك يجب ألا ندرس إلا إذا اشتهينا الدراسة؛ لأن كل شيء ندرسه بلا اشتهاء سرعان ما ننساه فتكون دراستنا عقيمة، وليست النفس لوحة فتوغرافية يكتب فيها كل ما يمر بها؛ إذ هي في الواقع اختيارية؛ فإني أستطيع أن أذكر حادثا مضى عليه ثلاثون سنة ولا أذكر ما حدث أمس؛ لأن الحادث الأول قد أثار عاطفة قوية فثبت، بل أحيانا يثبت أكثر مما نحب، كما يحدث في ذلك المريض النيوروزي الذي يفتأ يذكر مظلمة قديمة قد مر عليها ربع قرن، أما الحادث الثاني فلم ألتفت إليه لأنه لم يتصل بعاطفتي، والنسيان هو نشاط إيجابي يراد منه ألا تزدحم الذاكرة بأشياء ليس لها قيمة عضوية للنفس.
فالقاعدة الثالثة للدرس هي أن نشتهيه كما تشتهي المعدة الطعام.
وما دمنا قد ذكرنا المعدة والهضم، فيجب أن نذكر أن الذهن يتخم كما يتخم المعدة؛ ولذلك تحتاج صحتنا النفسية أن تكون الوجبة الذهنية خفيفة حتى نجد الوقت للهضم أو التمثيل. وكما أننا لا نستطيع أن نأكل في يوم ما يكفينا أسبوعا، كذلك يجب ألا ندرس في يوم ما كان يجب أن ندرسه في أسبوع.
وعلى هذا المبدأ يكون من الأفضل؛ إذ أردنا مثلا استظهار قصيدة تحتاج إلى ساعتين، أن نقسم هاتين الساعتين على يومين بدلا من جمعها في يوم واحد؛ لأننا بهذه الطريقة نتيح للذهن الهضم والتمثيل.
فالقاعدة الرابعة للدرس هي أن نجعل الوجبة الذهنية خفيفة، وألا نجمع بين وجبتين حتى لا نتخم.
ويجب أن نعرف أنه ليست لنا ذاكرة واحدة بل ذاكرات عديدة، فلنا ذاكرة للأرقام وأخرى للوجوه، وأخرى للأسماء، وأخرى للغة العربية وأخرى للغة الفرنسية، إلخ، وهذه الذاكرات لا تتبادل؛ فإذا نبغنا في المرانة الحسابية فلن يكون لهذا أي أثر في المرانة اللغوية؛ ومن هنا لا نستطيع أن نقوي الذاكرة بمادة معينة كأن نقول: إن الرياضيات تعلمنا التفكير الحسن؛ لأننا عندما ننتقل منها إلى الطب أو الاجتماع أو الجغرافيا أو الكيمياء لن نجد لهذه المرانة أية فائدة، وقد يحدث قليل من التداخل في هذه الذاكرات، ولكنه قليل جدا لا يؤبه به.
وهذا حسن؛ لأنه إذا كان هناك تداخل لما استطاع الشاب الذي تعلم الكتابة بالكتاب أن يعرف على البيان؛ لأن أصابعه التي تعلمت الدق على الآلة الأولى يجب أن ننساه عندما تدق على الآلة الثانية.
فالقاعدة الخامسة للدرس أن المرانة التي نحصل عليها في مادة ما لا تنتقل إلى مادة أخرى.
Unknown page