وكان أبوه إسحق ساعيا،
2
وكانت أمه سوزان برنارد ابنة قسيس، وكان جده الأعلى ديديه روسو قد هاجر من باريس إلى جنيف في سنة 1550؛ أي أيام الحروب الدينية، وقد استقرت أسرته، التي هي من أصل فرنسي خالص، بهذه المدينة منذ ذلك الحين.
ولم يعرف روسو أمه سوزان برنارد؛ فقد ماتت بعيد ولادته، ولم يكن ليجاوز اليوم الثامن من عمره حينما فقدها، فقام أبوه بشئون تربيته في البداءة، ولكن من غير أن يعنى بأمر تهذيبه كما يجب، ومع ذلك فقد تعلم القراءة ابنا للسادسة، وطالع مع أبيه كتبا كثيرة قبل بلوغه العاشرة من سنيه.
وكان أبوه إسحق نزقا عاطفيا ذا أثرة، ومما حدث في سنة 1722 أن تشاجر هو وضابط في جنيف قريب للقاضي الذي يحكم في الدعوى، ففر من جنيف؛ خشية القسوة عليه، وأقام بقرية نيون البعيدة حيث تزوج واستقر حتى آخر حياته، وقد ندر اجتماعه بابنه بعد ذلك.
ويقوم بشأن تربيته بعد فرار أبيه خاله برنارد الذي كان مهندسا في مدينة جنيف، ويرسله خاله هذا إلى كاهن بواسي، لانبرسيه؛ ليتعهد أموره، فقضى عنده عامين، ويكسر مشط لأخت معلمه، ويعاقبه معلمه هذا على فعل لم يقترفه، فيألم كثيرا، ويعود إلى منزل خاله سنة 1724، وتحسن زوج خاله معاملته، وتعطف عليه.
ويبلغ الثالثة عشرة من سنيه، ويجعله خاله تلميذا لدى موثق على الرغم منه، ويزدريه معلمه لعدم نجاحه، ويعيده إلى خاله، فيرسله إلى نحات في سنة 1725، ويحب فن النحت، ولكن النحات يقسو عليه، ويكثر ضربه ويجعله بائسا مكارا خبيثا، وفي سنة 1728 حين كان في السادس عشر من عمره، ذهب مع أصدقاء له للنزهة خارج جنيف، ولما عاد مساء وجد أبواب هذه المدينة مقفلة، فتمثلت له غلظة أستاذه، ولم يرجع إليه، وصار يطوف حول جنيف أياما ويعيش مع الأشرار فانحط.
ويقصد روسو دير كونفنيون بمديرية سافوا الإيطالية، ويلقنه كاهن هذا الدير، بونفير، مبادئ الكثلكة، ويبعده عن البروتستانية التي كان يدين بها، ويرسله إلى مدام دوفارنز بمدينة أنسي، وكانت هذه السيدة بالغة الجمال فحاولت أن تجعله كاثوليكيا مقبولا في مدرسة كاتشو من بتورين حيث ارتد عن البروتستانية.
وجد روسو رجال دير تورين فاسدي السيرة، وود لو ينجو منه، فساعده على الخلاص كاهن عطوف قام بزيارة عابرة لذلك الدير، وهكذا هرب روسو منه ليعود إلى سابق فقره.
ظل روسو عاطلا من العمل جائلا في الطرق حتى نفذ جميع ما عنده من نقد، وكاد يموت جوعا فرجع إلى ذلك الكاهن المحسن فأشركه في معيشته موصيا إياه بالصبر واحتمال الألم ... ومن هذا الكاهن اقتبس الإخلاص وحب الإنسانية ومقت النفاق.
Unknown page