دخلا هذه الحانة، فوجدا جمعا من الفلاحين والفلاحات يرقصون في وسط القاعة على أنغام آلات طرب رديئة، وكانت البهجة تعرف على جميع الوجوه، وكان هذا المنظر جديرا بريشة فاتو، ولما ظهر كنديد أمسكته فتاة من ذراعه، والتمست منه أن يرقص، ويجيب كنديد بقوله: «أي آنستي الحسناء، إذا ما أضاع المرء خليلته، ولقي امرأته، وعلم أن بنغلوس العظيم هلك، لم يمل إلى النطيط قط، ثم إن من الواجب أن أقتل نفسي غدا صباحا، وأنت تدركين أنه لا ينبغي لرجل لم يبق له غير ساعات قليلة، أن يضيع هذه الساعات في الرقص.»
هنالك دنا ككنبو من كنديد وقال له: «يميل عظماء الفلاسفة إلى المجد، وقد قتل كاتون الأتيكي نفسه بعد نوم سليم، وتجرع سقراط الشوكران بعد أن حاور أصدقاءه محاورة ودية، وكثير من الإنكليز من أطلقوا رصاصا على رءوسهم بعد الطعام، غير أنني لا أعلم وجود رجل عظيم قطع حلقومه بعد أن رقص، فهذا المجد قد حفظ لك يا سيدي العزيز، فدعنا نرقص ونقصف، ثم نقتل أنفسنا غدا صباحا.»
ويجيب كنديد: «ألم تلاحظ أن هذه الفلاحة سمراء جذابة إلى الغاية؟»
ويقول ككنبو: «تنطوي سيماها على شيء يقف النظر.»
ويقول فيلسوفنا: «لقد كبست على يدي.»
ويقول ككنبو: «ألم تنتبه إلى نهديها الصغيرين الرائعين، اللذين كشفا بتموج منديلها حين الرقص؟»
ويقول كنديد: «أجل، لقد رأيتهما، دونك! لو لم تملك الآنسة زنوئيد فؤادي ...»
وتقاطع السمراء الصغيرة كنديد، وتكرر التماسها، ويقبل بطلنا، ويرقص بألطف ما يمكن، ثم يقبل الفلاحة الحسناء، وينزوي في مكانه من غير أن يدعو ملكة المرقص إلى الرقص، ولسرعان ما أخذ الناس يتذمرون، وبدا الاستياء على الممثلين والحاضرين من ازدراء ظاهر كذلك، ولم يعرف كنديد خطأه، ومن ثم لم يلح له إصلاحه، ويدنو قروي غليظ منه، ويلطمه على أنفه، ويرد ككنبو على هذا الفظ البدين بركلة على بطنه، ولم تمض دقيقة حتى كسرت الآلات، وحسرت رءوس النساء والبنات، ويقاتل كنديد وككنبو قتال الأبطال، ثم يضطران إلى الفرار بعد وابل من الضربات.
ويقول كنديد متوكئا على صديقه ككنبو: «أجد الأذى في كل شيء. أجل، لقد ابتليت بمصائب كثيرة، ولكنني لم أنتظر أن أوسع ضربا؛ لأنني رقصت مع فلاحة، التمست مني الرقص.»
الفصل الثامن عشر
Unknown page