اعتزال كنديد وككنبو في ملجأ. ما لقيا فيه
صار ككنبو ومولاه السابق لا يقدران على التقدم، وأخذ مرض النفس القاتل لجميع الأهليات يجد إلى قلبهما سبيلا، وكان يسقطان خورا ويأسا، لو لم يبصرا ملجأ أنشئ للمسافرين، فاقترح ككنبو دخوله، فاتبعه كنديد، ووجدا فيه ما تقضي به عادة مثل هذا الملجأ من العناية البالغة عن حب للرب، وقد شفيا من جروحهما في وقت قصير، ولكنهما أصيبا بالجرب الذي لا يبرأ منه في أيام قليلة، فملأت فكرته عيني فيلسوفنا دموعا، فقال - وهو يحك: «أي ككنبو العزيز، أنت لم تتركني أقطع حلقومي، وتؤدي نصائحك السيئة إلى غرقي في العار والشقاء، واليوم إذا ما قطعت حلقي، قيل في جريدة تريفو: «هذا جبان، لم يقتل نفسه إلا لإصابته بالجرب»، وهذا ما تعرضني له عن عدم فطنة، إصلاحا لمصيري.»
ويجيب ككنبو: «ليس داؤنا بلا دواء، وإذا ما أخذت برأيي أقمنا هنا إخوانا للملجأ، وعندي علم قليل بالجراحة، وأعدك بأن ألطف سوء حالنا، وأجعله أمرا يمكن احتماله.»
ويقول كنديد: «آه! قتل جميع الحمير، ولا سيما الحمير الجراحون الشديدو الخطر على البشر، لن أطيق انتحالك شيئا لا تتصف به، فهذه خيانة ذات نتائج تخيفني، ثم ليتك تستطيع أن تدرك مقدار ما في خدمتي أخا في ملجأ من مشقة بعد أن كنت نائب ملك في ولاية جميلة، وبعد أن كنت في حال أستطيع بها أن أشتري ممالك رائعة، وبعد أن كنت عاشق الآنسة زنوئيد المفضل.»
ويجيب ككنبو: «أدرك هذا، ولكنني أدرك أن من الشاق أيضا، أن يموت الإنسان جوعا، واعلم كذلك أن من المحتمل أن يكون محل الخدمة الذي أقترحه عليك هو المكان الذي يمكنك أن تلزمه لاجتناب تحريات فلهل الطاغي، وللنجاة من العقوبات التي يعدها لك.»
وبينما كانا يتكلمان هكذا، مر أحد إخوان الملجأ، فوضعا له بعض الأسئلة، فكان جوابه مرضيا، وقد قال لهما موكدا: إن الإخوان يتناولون غذاء جيدا ويتمتعون بحرية كافية، ويعزم كنديد، ويلبس هو وككنبو ثوب الإخوان الذي سلم إليهما حالا، ويأخذ هذان البائسان يخدمان بائسين آخرين.
وبينا كان كنديد يوزع ذات يوم حساء رديئا على المرضى، وقف نظره رجل مسن ذو وجه أزرق، ضارب إلى السواد، وكان يغشى شفتي هذا الشيخ زبد، وكانت عينه نصف مائلة، وكان شبح الموت يبدو على خديه الناحلين، فقال كنديد: «ما أعظم توجعي لك أيها الرجل المسكين! لا بد أنك تألم ألما شديدا.»
ويجيب الشيخ عن هذا بصوت أصحل:
1 «أجل، إنني أشعر بألم شديد، ويقال إنني مصاب بالسل وذات الرئة وبالربو
2
Unknown page