Calam Sudud Wa Quyud
عالم السدود والقيود
Genres
أما مجرم الخسة الذي لا يبالي العار والمهانة فهو حقير بين ضراة المجرمين المعتدين، يقولون عنه إنه «نتن» يدخل السجن في غير طائل، ويصبر على الإهانة وسوء المعاملة من المساجين ولا يستثار.
ومعظم ما يقترفه هؤلاء المجرمون «الأخساء» مقصور على صغائر السرقات والاحتيال على الصغائر والأغرار وما إلى ذلك من جرائم النذالة والطمع الوضيع.
وهم في الحق «نتنون» كما يقول عنهم زملاؤهم من أصحاب الضراوة والاعتداء: شعورهم بالعار ضعيف وشعورهم بالزهو أضعف، ويعترفون على إخوانهم علانية بأقبح الرذائل في غير حياء ولا إحساس بفقدان الحياء، ومع هذا تأبى الطبيعة الإنسانية أن تحرم أحدا نصيبه من الزهو والمباهاة ولو كان من أدنى الأدنياء، فحتى هؤلاء يزهون فيما بينهم ببعض الخلال، ويأخذون على أنفسهم بعض العيوب، وبماذا يزهون؟ يزهون بالافتنان في أساليب النذالة والاحتيال الشائن المرذول، وعلى من يعيبون؟ يعيبون على الجهلاء بتلك الأساليب! وعلى المحدثين في الإجرام؛ لأنهم بلهاء لا يفهمون الخدع و«المصطلحات» التي يفطن لها ذوو الدراية بالسجون! وهم في كل حال لا يعدون الزهو الرخيص الذي لا يكلفهم جهدا من الجهود.
أخلاق (2)
من أصدق المقاييس التي تسبر بها طبائع النفوس الفكاهة والغناء.
فإنك لن تجد الفكاهة ولا الغناء في نفوس خلت كل الخلو من الخير والمحبة الإنسانية وصلاح الفطرة للعطف والمؤاخاة.
فالسليقة التي تعرف الفكاهة تعرف مواطن الضعف والتناقض من النفوس الإنسانية، أو تعرف - بعبارة أخرى - أسرار النفس وخفاياها وما تداريه وما تكشف عنه وما تقابل به الدنيا وما تحفظه في أعماق سريرتها، فكأنما تلك السليقة على اتصال أخوي حميم بجميع النفوس الآدمية، كاتصال الصديق بصديقه المطلع على دخائل قلبه وحقائق نياته، وكأنها على استعداد دائم لأن تضحك مع جميع النفوس ضحك السرور والمشاركة، وأن تضحك منها ضحك العطف والمداعبة، وتلك حالة نفسية لن تخلو من الخير والشعور الحسن من ناحية بني الإنسان.
أما السليقة التي تحسن الغناء أو تحب الإصغاء إليه فهي سليقة تحس وتعرف الوزن والنظام بشيء من الزكانة والإلهام، وهي - كتلك - سليقة تلتقي بالنفوس الأخرى في مجال العاطفة والذوق والشعور بالجمال.
وفي السجن لم أر إلا عددا يسيرا جدا يحسن الفكاهة، وإن كنت رأيت سجناء كثيرين هم موضوع فكاهة ومثار ضحك ودعابة، ولا أذكر أنني سمعت كلمات كثيرة تدل على فطنة للمواقف المضحكة والمساجلات النفسية اللطيفة، وإن كنت قد سمعت كثيرا من النكات المحفوظة والفكاهات المكررة التي يفوهون بها كما تفوه الببغاء بما يلقى إليها من الأصوات.
ولم أسمع قط غناء حسنا من سجناء الجرائم العنيفة أو سجناء الجرائم الخسيسة، ولكنني سمعت الغناء الحسن من بعض الفتيان المحكوم عليهم بالحبس في قضايا تهريب المخدرات وتعاطيها، وهم في أغلب الأحايين مسخرون ينقادون لكبرائهم المسيطرين عليهم، لم تنغرس فيهم بعد نذالة الجريمة العامدة المدبرة التي تطلب الكسب من وراء الإضرار بالناس، ومن كان منهم يتعاطى المخدرات فهو ضعيف يعتدي على نفسه وليس بمجرم من أولئك الجناة الأشرار الذين يعتدون على غيرهم عدوان المكيدة أو عدوان الضراوة.
Unknown page