العائش في الحقيقة
العائش في الحقيقة
تأليف
نجيب محفوظ
أصل الحكاية
ولدت الرغبة في أعقاب نظرة مفعمة بالإثارة، والسفينة تشق طريقها ضد التيار الهادئ القوي في أواخر فصل الفيضان. بدأت الرحلة من مدينتنا سايس ماضية جنوبا إلى بانوبوليس لزيارة أختي التي استقر بها الزواج هناك. وذات أصيل مررنا بمدينة غريبة، مدينة تطل من أركانها عظمة غابرة، ويزحف الفناء بنهم على جنباتها وأشيائها، مترامية بين النيل غربا ومحراب الجبل شرقا، متعرية الأشجار، خالية الطرقات، مغلقة الأبواب والنوافذ كالجفون المسدلة، لا تنبض بها حياة ولا تند عنها حركة، يجثم فوقها الصمت، وتخيم عليها الكآبة، وتلوح في قسماتها أمارات الموت. أجلت فيها البصر فانقبض صدري، وهرعت إلى أبي حيث يسترخي على أريكة فوق المنصة مجللا بشيخوخته، وسألته: ما شأن هذه المدينة يا أبي؟
فأجاب دون تأثر: مدينة المارق، المدينة الكافرة الملعونة، يا مري مون ...
فرجع البصر إليها بانفعال مضاعف وذكريات منثالة، ثم سألت: ألا يوجد بها حي؟
فأجاب أبي باقتضاب: ما زالت المرأة المارقة تتنفس في قصرها، أو سجنها، وهو الأصح، كما يوجد بعض الحراس بلا ريب ...
فغمغمت متذكرا: نفرتيتي!
Unknown page