139

Cadhra Quraysh

عذراء قريش

Genres

فلما سمعت أسماء ذلك خافت أن يخدع رجال علي، فهرولت مسرعة تخترق الصفوف وقلبها يخفق فرحا لأنها تمكنت من القيام بهذه المهمة، لأنها واثقة من فشل جند معاوية وأن النصر لعلي إذا ظل على القتال، أما إذا صدق حيلة عمرو فإنه يضيع الفرصة السانحة.

أما علي فكان قد قاتل ببسالة طوال نهاره وليله وقد تحقق فوز جنده، وظل يطوف في صفوفهم يحثهم على الثبات ويدعو لهم بالنصر إلى أن عاد في الصباح إلى فسطاطه، فجاءه مخبر بأن أهل الشام رفعوا المصاحف على الرماح وهم يقولون: «هذا حكم كتاب الله بيننا وبينكم. من لثغور الشام بعد أهله؟ ومن لثغور العراق بعد أهله؟» فلما سمع علي كلامهم قال: «لا نجيبهم إلى ذلك فهي حيلة لا تنطلي علينا.»

فجاءه نفر من رجاله وقالوا: «بل نجيبهم إلى كتاب الله.»

فوقف علي وقد خاف الفتنة وقال: «عباد الله ، امضوا إلى حقكم وصدقكم وقتال عدوكم، فإن معاوية وابن العاص وابن أبي معيط وحبيبا وابن أبي سرح والضحاك ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، أنا أعرف بهم منكم قد صحبتهم أطفالا ثم رجالا فكانوا شر أطفال وشر رجال. ويحكم! والله ما رفعوها إلا خديعة ووهنا ومكيدة!»

فقالوا: «لا يسعنا أن ندعى إلى كتاب الله فنأبى أن نقبله.»

فقال: «فإني إنما أقاتلهم ليدينوا لحكم الكتاب، فإنهم قد عصوا الله فيما أمرهم ونسوا عهده ونبذوا كتابه.»

فقال له مسعر بن فدكي التميمي وزيد بن حصين الطائي في عصبة من القراء الذين صاروا بعد ذلك خوارج: «يا علي، أجب إلى كتاب الله - عز وجل - إذا دعيت إليه، وإلا دفعناك برمتك إلى القوم أو نفعل بك ما فعلنا بابن عفان.»

قال: «فاحفظوا عني نهيي إياكم واحفظوا مقالتكم لي، فإن تطيعوني فقاتلوا وإن تعصوني فاصنعوا ما بدا لكم.»

قال ذلك وقد أخذ الغضب منه مأخذا عظيما، وفيما هو في هذا انشق الجمع وخرج من بينهم جندي لم يكن سوى أسماء، وقد وصلت وسمعت الناس يحاجون عليا، فهرولت حتى وقفت بينهم وبين علي وثارت الحمية في رأسها وعلى وجهها احمرار التعب من شدة العدو، فضلا عما قام في نفسها من الأسف لتلك الحال، فأسفرت وحيت الإمام بتحية الخلافة والتفتت إلى الوقوف هناك وقالت لهم: «اعلموا أني قادمة من معسكر معاوية، وقد سمعت حديثهم عن الحيلة بأذني، وإنما جئت مسرعة مخافة أن تنطلي الحيلة عليكم وتكفوا عن القتال. إنها والله خديعة اخترعها ابن العاص ليلقي الشقاق بينكم! وأخشى أن تنفذ حيلته فيكم، فأطيعوا أمير المؤمنين وأنتم الغانمون.»

فضحكوا من كلامها وقالوا: «كيف ندعى إلى كتاب الله ولا نجيب؟! هذا لا يكون أبدا!»

Unknown page