123

Cadhra Quraysh

عذراء قريش

Genres

فأدركت أسماء ما وراء ذلك فأجفلت، مخافة أن يتحقق ظنها لعلمها ما في نفس الحسن، ولكنها لم تستطع غير إظهار الاستحسان فقالت: «إني أحقر من أن أحظى بهذا الشرف العظيم.»

قال: «لا، بل أنت أهل لأفضل منه، ولا أخفي عليك أن ولدي الحسن راغب فيك لما آنسه من غيرتك على الإسلام ورغبتك في إعلاء كلمته، فهل ترضين به خاطبا؟»

فلم تستطع إخفاء عواطفها بما ظهر على وجهها من الاحمرار السريع، ولكنها تجلدت وقالت وهي تشكر: «إني لا أستحق هذا الإكرام يا مولاي، لأنه فوق ما تتوقعه فتاة يتيمة غريبة مثلي، كيف لا وفيه التقرب من أعظم رجال هذه الأمة وابن عم النبي؟ ولكنني جئت إلى مولاي الإمام الآن في أمر أهمني كثيرا، وهو يدعوني إلى سفر قريب لا أرى منه بدا، فجئت أستأذن أمير المؤمنين في شأنه.»

قال: «وما ذلك؟» قالت: «لا أظن مولاي أبا الحسن يجهل أمر أمي يوم قدومها المدينة، وما ظننا أننا فقدناه من السر بوفاتها.»

قال: «لا أجهله»، قالت: «ولعلك تعلم يا سيدي أن يزيد الذي كان معنا في ذلك اليوم المشئوم ليس أبي.»

قال: «ظننت ذلك به منذ رأيته، ثم سمعت أنه ليس أباك.»

قالت: «وكنت أنا أيضا أعلم هذا فقد أخبرتني به أمي، ووعدتني أن تذكر لي أبي الصحيح عند وصولنا إلى المدينة، فقضى الله بوفاتها قبل وصولنا، وظننت أن سر أبي ذهب معها إلى القبر فأسفت وبكيت، ولكن المقادير ساقتني بالأمس إلى دير بجوار البصرة بعد جرح أصابني في أثناء سفري، فأقمت به أياما أعالج الجرح. وهناك رأيت راهبا عرفته، وكنت قد رأيته في كنيسة دمشق قبل سفري، فأخبرني خبرا أعاد إلي آمالي.» فقال علي: «وهل ذكر لك اسم أبيك؟» قالت: «لا، ولكنه أخبرني أن قسيس كنيسة دمشق يعرفه، لأن أمي اعترفت له به دون سواه.» ثم قصت أسماء ما أخبرها به رئيس الدير، ولم تكد تتم كلامها حتى ظهرت الدهشة على وجه الإمام لما سمع من أن والدها من كبار المسلمين في المدينة، وأن أمها جاءت المدينة للبحث عنه، فعاد يسألها: «ألم يخبرك عن اسمه؟»

قالت: «إنه لا يعرف اسمه، وهذا ما حملني على الإسراع إلى دمشق لأستطلع الخبر.» فأمر لها بجواد وخادم أمين وقال لها: «تنتظرين قافلة سائرة من الكوفة إلى الشام تذهبين معها، لأنه يعسر سلوك الطريق على شخصين منفردين.»

فشكرت، وودعته وخرجت وهي تود أن تطير إلى دمشق لمقابلة القسيس، وصممت على الإسراع ما استطاعت دون أن تنتظر قافلة ولا ركبا.

الفصل السادس عشر

Unknown page