Cabqariyyat Imam Cali
عبقرية الإمام علي
Genres
فمن اللحظة الأولى، أخذ في تجنيد قوى الخلافة الدينية التي لا قوة له بغيرها ...
فعزل الولاة الذين استباحوا الغنائم المحظورة، وتمرغوا بالدنيا، وطمعوا وأطمعوا رعاياهم في بيت مال المسلمين، وأثاروا على عثمان سخط السواد وسخط الفقهاء المتحرجين والحفاظ الغيورين على فضائل الدين ... •••
ورد القطائع التي وزعتها بطانة عثمان بين المقربين وذوي الرحم، فصرفتها عن وجوهها التي جعلت لها من إصلاح المرافق، وإغاثة المفتقرين إليها على شرعة الإنصاف والمساواة.
ورجع إلى خطبة أبي بكر وعمر في تجنيب الصحابة الطامحين إلى الإمارة فتنة الولايات، مخافة عليهم من غوايتها وإبعادا لهم من دسائس الشيع والعصبيات ... فلما طالبه طلحة والزبير بولاية العراق واليمن، قال لهما: «بل تبقيان معي لآنس بكما.» وسأل ابن عباس: «ما ترى؟» فأشار بتولية الزبير البصرة وتولية طلحة الكوفة، قال علي: «ويحك ... إن العراقين بهما الرجال والأموال ... ومتى تملكا رقاب الناس يستميلان السفيه بالطمع، ويضربان الضعيف بالبلاء، ويقويان على القوي بالسلطان، ولو كنت مستعملا أحدا لضره أو نفعه لاستعملت معاوية على الشام، ولولا ما ظهر من حرصهما على الولاية لكان لي فيهما رأي.»
نعم، إن هذه السياسة أغضبت منافسيه وطالبي المنفعة الدنيوية على يديه ... ولكن السياسة الأخرى كانت تغضب أنصاره، ولا تضمن رضا المنافسين ودوامهم على الرضا والوفاق بينهم في تأييده، وكانت تخالف عقيدته التي يدين بها نفسه وأقرب الناس إليه، وتخالف وعده وعقيدة الناس فيه ... ولن يكون مالكا غالبا بسياسة الملك على كل حال، فإن لم يكن خليفة فما هو بشيء، وإن كان خليفة وملكا فهي خطة عثمان التي لم تستقم قط على وجه من وجهيها ومصيرها معروف، وإن كان خليفة ولا اختيار له في ذلك، فكل ما صنع فهو الحكمة كأحسن ما تراض له الحكمة، وهو السداد كأقرب ما يتاح له السداد. •••
وعلم أن قريشا لا ينصرونه، فنقل العاصمة من المدينة إلى الكوفة ... لأن قريشا كانوا هاشميين وهم لا يتفقون على بيعته، وقد تركه أقربهم إليه ورحل إلى معاوية طمعا في رفده، أو كانوا أمويين وهم حزب معاوية وأهل عشيرته وبيته، أو من تيم وهم حزب طلحة، أو من عدي وهم يؤثرون عبد الله بن عمر بن الخطاب، أو من قبائل أخرى، وهم كما قال: «قد هربوا إلى الأثرة» ... فإذا أقام بينهم فهو مقيم بين أناس لا ينقطع لهم طلب ولا يضمن لهم ولاء ...
ولم تمض أيام معدودة على مبايعة الخليفة الجديد، حتى انتظمت صفوف الحجاز كله له أو عليه ... فكان معه جميع الشاكين لأسباب دينية أو دنيوية، وكان عليه جميع الولاة الذين انتفعوا في عهد عثمان، وجميع الطامعين في الانتفاع بالولاية والأموال العامة ... وحالت الخلافة الجديدة بينهم وبين ما طمعوا فيه ...
وعلى رأس هؤلاء طلحة والزبير ...
فحشدوا جموعهم إلى البصرة، وصحبتهم السيدة عائشة؛ لأنها كانت ترغب في خلافة طلحة ... لقيها ابن عباس على مقربة من المدينة وهو أمير على الحج من قبل عثمان، ولما يزل قائما بالخلافة، فقالت له: «يا ابن عباس ... أنشدك الله فإنك قد أعطيت لسانا أزعيلا - أي: ماضيا - أن تخذل عن هذا الرجل - تعني عثمان - وأن تشكك فيه الناس فقد بانت لهم بصائرهم وأنهجت ورفعت لهم المنار، وتحلبوا من البلدان لأمر قد جم، وقد رأيت طلحة بن عبيد الله قد اتخذ على بيوت الأموال والخزائن مفاتيح ... فإن يل يسر بسيرة ابن عمه أبي بكر - رضي الله عنه.» فأجابها ابن عباس: «يا أمه! لو حدث ما فزع الناس إلا إلى صاحبنا.» أي: علي، فقالت: «أيها عنك ... إني لست أريد مكابرتك ولا مجادلتك.»
فلما بويع علي في المدينة، لم تكن من أنصاره ولا مع الباقين على الحيدة بينه وبين خصومه ... ولعلها لم تنس بعد نصيحته للنبي - عليه السلام - في مسألة الإفك التي قيل: إنه أشار فيها بتطليقها، فخرجت إلى البصرة مع المطالبين بثأر عثمان، وكانت هنالك وقعة الجمل التي سميت بهذا الاسم لاحتدام القتال فيها حول جملها وهودجها ... فانتصر علي، وقتل الزبير، ومات طلحة بجرح أصابه في المعركة، وحسم القتال بالصلح بين الفريقين في الحجاز والعراق ...
Unknown page