Cabqariyyat Imam Cali
عبقرية الإمام علي
Genres
على أن هذا النصر العاجل، لم يخل من آفة تكدره وتنذر بالمخاوف التي يوشك أن يلقاها علي في حربه لخصومه الباقين بعد موت طلحة والزبير ... وأقواهم معاوية بن أبي سفيان صاحب الشام ...
فقد كشفت وقعة الجمل عن مصاعب القيادة في جيش من المتمردين والمتذمرين ... فإنهم يستحمسون في عقيدتهم، وهي فضيلة من فضائل الجيوش المقاتلة، ولكنهم من جراء هذه الحماسة نفسها عرضة للعناد، والتمادي في اللدد وإعجال قائدهم على إنعام الروية، وانتظار الفرص المؤاتية ...
فقد كان علي يميل - كدأبه - إلى مفاتحة الخارجين عليه في المهادنة أو المصالحة، وكان معه جماعة السبئية - أتباع عبد الله بن سبأ - وهم أخلص الناس له وأغيرهم عليه، ولكنهم لفرط غيرتهم ولددهم في عداوتهم لم يقنعوا بما دون القضاء على خصومه، ولم يقبلوا التوسط في الصلح دون الغلبة التي لا هوادة فيها ... فدهموا القوم وأوقدوا جذوة الحرب، قبل أن يفرغ علي من حديث المهادنة، والتقريب بينه وبين أصدقائه الذين خرجوا عليه ...
وكانت هذه أولى العثرات الكبار التي أعثرته بها حماسة المتمردين والمتذمرين في جيشه، ولم تزل تتعاقب وتتفاقم عليه حتى مني بالعثرة التي لا تقال ...
وكان ذلك في وقعة صفين ...
فإنه نظر بعد غلبته في العراق، فلم يجد أمامه خصما يقف في طريق الخلافة إلا جيش معاوية بالشام، فعمد معه إلى خطته التي جرى عليها مع خصومه كافة، حيث كانوا وكانت منزلتهم من الجاه والقوة، ونعني بها خطة المسالمة والبدء بالإقناع ... فطالت المراسلة منه إلى معاوية، ومن معاوية إليه، وفي مثل واحد منها، ما يغني عن كثير ...
كتب إلى معاوية بعد وقعة الجمل، وقد سبقته كتب كثيرة من المدينة ...
سلام عليك ... أما بعد، فإن بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام؛ لأنه بايعني الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بويعوا عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإذا اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضى، وإن خرج عن أمرهم ردوه إلى ما خرج عنه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا، وإن طلحة والزبير بايعاني ثم نقضا بيعتهما، وكان نقضهما كردهما، فجاهدتهما بعدما أعذرت إليهما، حتى جاء الحق وظهر أمر الله، وهم كارهون، فادخل فيما دخل فيه المسلمون، فإن أحب الأمور إلي قبولك العافية، وقد أكثرت في قتلة عثمان، فإن رجعت عن رأيك وخلافك ودخلت فيما دخل فيه المسلمون ... ثم حاكمت القوم إلى حملتك وإياهم على كتاب الله، وأما تلك التي تريدها - يعني الخلافة - فهي خدعة الصبي عن اللبن، ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ قريش من دم عثمان، واعلم أنك من الطلقاء
2
الذين لا تحل لهم الخلافة، ولا يدخلون في الشورى وقد بعثت إليك وإلى من قبلك جرير بن عبد الله، وهو من أهل الإيمان والهجرة ... فبايعه، ولا قوة إلا بالله.
Unknown page