هناك فرق كبير بين النقد وبين نفث سموم الأحقاد الطبقية، وفرق كبير بين تقييم مرحلة حاسمة في تاريخنا المعاصر بالدراسة والبحث والأرقام، وبين التعبير عن مطامع شخصية في ثروات قديمة غير مشروعة، أو ثروات جديدة مأمولة بالأصالة عن النفس أو بالوكالة عن الغير.
إن ما يقوله هؤلاء وأولئك هو ما يرفض اليسار أن يقبله كنقد «للعهد الناصري» لأنه كلام معاد لمصر، ولثورة 23 يوليو، ولكل نظام وطني سواء قاده عبد الناصر أو السادات.
اليسار نقد أيضا
أما اليسار - وهو ما فات الدكتور فؤاد زكريا أن يتابعه للأسف - فقدم أكثر التقييمات موضوعية على قدر استطاعته، وفي حدود «الفرص» المتاحة في الصحف كما أشرنا في البداية. وإذا كان من الصعب حصر بعض المقالات الفردية المتباعدة لكتاب اليسار في هذا الشأن، أفليس من التجني على اليسار تجاهل الدراسة التي قدمها يساري ماركسي مصري معروف هو الدكتور «محمد فريد شهدي» تحت عنوان «تأملات في الناصرية».
وإذا كانت الطبعة الأولى من هذه الدراسة قد ظهرت في يوليو 1973م، إلا أن ندوة مجلة «الطليعة» القاهرية حول تقييم تجربة عبد الناصر بين اليسار المصري وتوفيق الحكيم لا تزال مستمرة حتى كتابة هذه السطور، وهي من الموضوعات الرئيسية في أعداد المجلة.
هل غابت هذه المحاولات المتواضعة لليسار عن ملاحظة الدكتور فؤاد زكريا؟
لنكن أكثر صراحة ونؤكد أن الدكتور فؤاد زكريا (من واقع دراسته) ليس غافلا عما يقدمه اليسار من تقييم لتجربة عبد الناصر، وعما يقدمه بعض اليمينيين من بذاءات وينفثونه من أحقاد ضد الثورة، وضد إيجابياتها على وجه الخصوص، لكن المشكلة التي أوضحها الدكتور فؤاد زكريا بجلاء، ليست هي رفض اليسار لتقييم عبد الناصر، وإنما هي اختلاف تقييم الدكتور فؤاد زكريا عن تقييم اليسار لعبد الناصر.
ولو كان الدكتور فؤاد واضحا في هذه النقطة منذ البداية لوفر الكثير من الجهد، ولما اضطر إلى اعتساف المنطق وتجريح اليسار واتهامه بالدفاع عن «مصالح شخصية» وهمية، لمجرد أن اليسار يرفض أن يدخل في مزايدة مفتوحة مع اليمين المتطرف؛ لكي يكسب قصب السبق في إهالة التراب على ثورة وطنية، وعلى واحد من أعظم أبطالنا القوميين طوال تاريخنا!
تقدمية أو رجعية
يقول الدكتور فؤاد زكريا دون أي لبس: إن اليسار ظل متمسكا «بالدفاع عن تجربة يتمسك بأنها كانت اشتراكية تقدمية بينما يثبت الواقع اليومي عكس ذلك» ثم يعود ويتساءل: «ما الذي جعل اليسار يتخذ هذا الموقف ويدافع دفاعا عن تجربة لم تكن في حقيقتها يسارية بالمعنى الصحيح، ولم يكن لها من مقومات الاشتراكية بالمقاييس العلمية الصحيحة إلا أقل القليل؟!»
Unknown page