والثانية:
أن أحدا لم يقدم نقدا أو تقييما لتجربة عبد الناصر يمكن أن يكون جديرا بصفة الموضوعية سوى اليسار، بقدر ما أتيح له من «مساحة» أو «فرصة» في صحفنا.
أما أن يكون تقييم اليسار لتجربة عبد الناصر وثورة 23 يوليو مختلفا في كثير أو قليل مع تقييم الدكتور فؤاد زكريا لنفس التجربة (وهو تقدمي ويساري أيضا) فهذه قضية أخرى، لا يصح أن تختلط بمبدأ التقييم ذاته.
واليساريون في النهاية ليسوا حزبا موحد الفكر والموقف، ولا تجمعهم إلا الخطوط النظرية العامة، والتي لم تعد هي أيضا بمنأى عن الخلاف بين تيارات اليسار المتعددة.
أين هو النقد والتقييم لعبد الناصر الذي اتخذ منه اليسار موقف الهجوم والرفض؟ هل هم الذين يقول عنهم الدكتور فؤاد زكريا: «هناك بالفعل نقاد للعهد الناصري كانوا ممن يحرقون له البخور طوال أعوامه الثمانية عشر، وكانوا طول تاريخهم ممن يجيدون تغيير جلدهم بتغير الحاكم ... بل إنهم سبق أن مارسوا مثل هذا التحول في أوائل عهد عبد الناصر لصالح عبد الناصر ذاته وضد أسيادهم السابقين.» أو من يسميهم أيضا: «مدخني السيجار من أصحاب المصانع السابقين أو ... أصدقاء آل صيدناوي وأفرينو»؟ ... حسنا! هل يمكن أن يقبل نقد لعبد الناصر من جانب تلك الفئات؟ وهل يمكن أن يصدر أي نقد أو تقييم موضوعي لثورة أو زعيم ثورة من جانبهم.
وهل إذا رفض اليسار الإسفاف والافتراء على الثورة، وهو إسفاف وافتراء على شعب مصر قبل أن يكون على جمال عبد الناصر ... أصبح رافضا «للنقد »؟
لقد كتب رجل من كبار الرأسماليين، وهو محمد فرغلي «باشا» نقدا وتقييما للقطاع العام في صحيفة الأهرام، ذكر فيه ما له وما عليه من وجهة نظره، بموضوعية وتجرد، فلم يلق ترحيبا إلا من اليسار (في مجلتي روز اليوسف والطليعة).
وإذا كان رجل كفرغلي استطاع أن يسمو على مصالحه الشخصية، ويقدم تقييما موضوعيا، فهل «يدان» اليسار في رأي الدكتور فؤاد زكريا؛ لأنه ارتفع على آلامه الذاتية وما أصابه شخصيا متمسكا بالدفاع عن إيجابيات الثورة في عهد عبد الناصر قبل وبعد وفاته؟!
ثم أين هو النقد والتقييم الذي يرى الدكتور فؤاد زكريا أن اليسار قد رفضه؟ هل «النقد» هو أن يقال إن مصر لم تستقل أو تتحرر إلا بعد وفاة عبد الناصر، وإن إسرائيل والولايات المتحدة وغيرهما من الدول الاستعمارية أو العميلة ليست مسئولة عما أصاب شعب مصر من عدوان متكرر، لكن مصر بعد ثورة 23 يوليو وبقيادة عبد الناصر هي المسئولة؟
هل النقد والتقييم لعشرين عاما من تاريخنا هو أن يقال إن مصر كانت أسعد حالا قبل التأميم والتصنيع وإنشاء السد العالي والإصلاح الزراعي؟ وإن الفلاحين والعمال في مصر الملكية عاشوا في نعمة ورضاء لم ينتزعهم منهما إلا عبد الناصر والثورة؟!
Unknown page