219

Bustān al-Wāʿiẓīn wa-Riyāḍ al-Sāmiʿīn

بستان الواعظين ورياض السامعين

Editor

أيمن البحيري

Publisher

مؤسسة الكتب الثقافية-بيروت

Edition Number

الثانية

Publication Year

١٤١٩ - ١٩٩٨

Publisher Location

لبنان

٣٦٣ - كف الْجَوَارِح عَن الشرور
عباد الله يَنْبَغِي لمن أصبح صَائِما أَن يَقُول لِلِسَانِهِ إِنَّك الْيَوْم صَائِم من الْكَذِب والنميمة وَقَول الزُّور وَالْبَاطِل والغيبة ولعينيه إنَّكُمَا الْيَوْم صائمتان عَن النّظر إِلَى مَا لَا يحل لَكمَا وللأذنين إنَّكُمَا الْيَوْم صائمتان من الِاسْتِمَاع إِلَى مَا يكره رَبكُمَا ولليدين إنَّكُمَا الْيَوْم صائمتان من الْبَطْش فِيمَا حرم عَلَيْكُمَا من الْغِشّ فِي البيع وَالشِّرَاء وَالْأَخْذ وَالعطَاء وللبطن إِنَّك الْيَوْم صَائِمَة عَن الْمطعم فانظري على مَاذَا تفطري وتجنبي الْمطعم الْخَبيث الَّذِي تدعين إِلَيْهِ فَإِن الله طيب وَلَا يقبل إِلَّا الطّيب وللقدمين إنَّكُمَا الْيَوْم صائمتان من السَّعْي إِلَى مَا يكْتب عَلَيْكُمَا وزره وَيبقى قبلكما تباعته وإثمه
وَمن وقف لهَذَا وصبر عَلَيْهِ فقد أوفى بِعَهْد نبيه ﷺ
ومخاطبة ابْن آدم لجوارحه بِمَا تقدم وَصفه يجب على العَبْد اسْتِعْمَاله أَيَّام صَوْمه وَغَيرهَا مَا دَامَ حَيا وَهَكَذَا كلما أصبح صباح أَو أقبل مسَاء وفقنا الله وَإِيَّاكُم لاستعمال ذَلِك وَأَمْثَاله بتوبة صَادِقَة مخلصة عاجلة بكرمه
فَالله الله عباد الله امتثلوا فِي هَذَا الشَّهْر المكرم وَفِي غَيره لأوامر الله تَعَالَى وانتهوا عَن نواهيه
٣٦٤ - أصل رَمَضَان فِي اللُّغَة
قَالَ الله تَعَالَى ﴿شهر رَمَضَان الَّذِي أنزل فِيهِ الْقُرْآن هدى للنَّاس وبينات من الْهدى وَالْفرْقَان﴾ الْبَقَرَة ١٨٥ فَمَا جعله هدى فَلَا يكون ضَلَالَة وَمَا جعله بَيَانا فَلَا يكون جَهَالَة وَمَا ضعف فِيهِ الْأجر فَلَا تجعلوه بطالة
شهر رَمَضَان قيل سمي شهر رَمَضَان لشدَّة الْحر فِيهِ وَقيل أَخذ من حرارة الْحِجَارَة لما يَأْخُذ الْقُلُوب من حرارة الموعظة والفكرة وَالِاعْتِبَار بِأَمْر الْآخِرَة
قَالَ الْخَلِيل الرمضاء الْحِجَارَة الحارة ورمض الْإِنْسَان إِذا مَشى على الرمضاء فَسُمي رَمَضَان بذلك لِأَنَّهُ يرمض الذُّنُوب أَي يحرقها وَقيل سمي بذلك لِأَنَّهُ شهر يغسل الْأَبدَان غسلا ويطهر الْقُلُوب تَطْهِيرا
وَهُوَ مَأْخُوذ من الرمض وَهُوَ مطر يَأْتِي قبل الخريف
وَقيل رمض ورفض بِمَعْنى وَاحِد وَهُوَ من الْحُرُوف المتعاقبة يرفض قوما إِلَى مَحل الْقرْبَة والزلفى ويرفض آخَرين إِلَى مَحل الْبعد والسخطة
وَقيل سمي شهرا لشهرته
وَهُوَ شهر الإيقان وَشهر الْقُرْآن وَشهر الْإِحْسَان وَشهر الرضْوَان وَشهر الغفران وَشهر إغاثة اللهفان وَشهر التَّوسعَة على الضيفان
وَشهر تفتح فِيهِ أَبْوَاب الْجنان ويصفد فِيهِ كل شَيْطَان وَهُوَ شهر الْأمان وَالضَّمان
شهر يُخَفف فِيهِ عَن الْمَمْلُوك
تزهر فِيهِ الْقَنَادِيل وَينزل فِيهِ بِالرَّحْمَةِ جِبْرِيل ويتلى فِيهِ التَّنْزِيل ويسمح فِيهِ للْمُسَافِر والعليل شهر رَمَضَان للعباد مثل الْحرم فِي أم الْبِلَاد الْحرم يمْنَع مِنْهُ الدَّجَّال اللعين ورمضان يصفد فِيهِ مَرَدَة الشَّيَاطِين
شهر رَمَضَان فِي الدُّنْيَا مثل الْجنان فِي العقبى سدر مخضود وطلح منضود وظل مَمْدُود ومكله خُلُود مُتَّصِل لَيْسَ يبيد وَفِي رَمَضَان بذل المجهود ورضى طلب المعبود وَحفظ الْحُدُود وَإِظْهَار الْكَرم والجود
أقبل الصَّوْم يَا مِسْكين وكلنَا مَسَاكِين وَأَنت عاكف على مَا يسْخط الْجَبَّار مصر على الآثام والأوزار عَامل بأعمال أهل النَّار متشبه بالنساك والأخيار وَأَنت فِي جملَة الْفُسَّاق والفجار وَقد أطلع على سرك وضميرك عَالم الضمائر والأسرار
وَشهر الصَّوْم شَاهد عَلَيْك وَالْمَلَائِكَة تلعنك وَالله لَا ينظر إِلَيْك وَهُوَ ﷻ بإعراضك عَن الطَّاعَة معرض عَنْك غاضب عَلَيْك فَلَا تجْعَل أَيهَا الصَّائِم شهرك هَذَا كَسَائِر الشُّهُور
وَالله سُبْحَانَهُ ينظر من عَبده إِذا لم ير أثرا لشهر رَمَضَان من ملكه لجوارحه يَقُول ﷻ هَذَا عَبدِي لَا يعرف لشهري هَذَا فضلا وَأَنا لَا أعلم الْآن لَهُ عِنْدِي فضلا
٣٦٥ - عظة بليغة
افق يَا ذَا الغي والمحال واستيقظ يَا ذَا السَّهْو والإغفال وانتبه من السكرات الطوَال
أترضى يَا مِسْكين أَن يرد صومك فِي وَجهك من غير قبُول من الله أتستحسن أَن تكون جائعا عطشان وَلَيْسَ لَك جاه عِنْد الله أَيْن النِّيَّة الْمُجَرَّدَة أَيْن التَّوْبَة المجددة أَيْن الندامة الْمُؤَكّدَة أَيْن الْحَلَال من الطَّعَام أَيْن اجْتِنَاب الطعمة الْحَرَام أَيْن حجر الأوزار والآثام أَيْن الرَّحْمَة لِذَوي الْفقر والضعفاء والأيتام أَيْن الْإِخْلَاص للْملك العلام أَيْن الْتِزَام شَرِيعَة الْإِسْلَام أَيْن الأسوة بِالنَّبِيِّ ﵊ انْظُر يَا مِسْكين إِذا قطعت نهارك بالعطش والجوع وأحييت ليلك بطول السُّجُود الرُّكُوع إِنَّك فِيمَا تظن صَائِم وَأَنت فِي جهالتك جازم وَفِي صَلَاتك دَائِم وَفِي بحار سكراتك هائم
أَيْن أَنْت من التَّوَاضُع والخشوع أَيْن أَنْت من الذلة لمولاك والخضوع أتحسب أَنَّك عِنْد الله من أهل الصّيام والأمان الفائزين فِي شهر رَمَضَان كلا وَالله حَتَّى تخلص النِّيَّة وتجردها وتطهر الطوية وتجودها

1 / 227