سليلا لأولئك فيركع الآن عند قدمي فتاة سوداء الشعر.»
وعكس اهتداء بسمارك هو الذي يقف نظر بسمارك مرة أخرى، ويقرر هذا النصراني الجديد أن يعنى بالفقراء في أملاكه أكثر من قبل، فيقول: «إنني حين أفكر في كفاية تالير واحد لعيش الأسرة الواحدة من هذه الأسر الجائعة عدة أسابيع، وإنني حين أنفق ثلاثين تاليرا في سبيل زيارتك أجدني سارقا لهؤلاء الفقراء الذين يعانون ألم السغب
13
والبرد، أجل، يمكنني أن أدفع المبلغ وأقوم برحلتي مع ذلك، غير أن هذا لا يغير من الأمر شيئا، فمضاعفة ذلك المبلغ وجعله عشرة أمثاله مما لا يسكن سوى قليل من البؤس، وما علي إلا أن أهدئ نفسي بأن أغالطها فأرى أن ما أبذله ليس تبذيرا في سبيل لذاذي، بل هو واجب أؤديه نحو خطيبتي ... والفقراء هم الذين يجب أن تدفع إليهم نفقات أسفاري مع ذلك، ومن عويص المسائل أن أعرف ماذا أنفقه في لذاذتي مما جعله الله تحت حراستي مع وجود أناس يتضورون جوعا ويقاسون قرا
14
في كنفي فيرهنون فراشهم وثيابهم عند عجزهم عن العمل، «فبع ما تملك ووزعه بين الفقراء واتبعني!» ولكن ما هو المدى الذي يؤدي إليه ذلك ألا إن الفقراء كثير، فلا تكفي جميع خزائن الملك لإطعامهم، وسنرى ما يكون.»
وفي تلك الحال حين رأى بسمارك أن يختبر إيمانه الحديث، تجده يقتحم للمرة الأولى (وللمرة الأخيرة مع مشاعر بلغت تلك الدرجة من الروح النصرانية) مسألة ينكرها ذات يوم إنكارا تاما لما يكون من قصوره عن إدراكه لها، والحق أن تصوفه هزل غير ملائم لذكائه، وما يصفه بسمارك مذعورا من سرق نحو الجائعين، وما كان من تردده في التمتع بالملاذ المناسبة لمن هم في مثل وضعه ولو لبضع دقائق (تلك الملاذ التي يتمتع بها لما كان من انتهاب أجداده الفرسان المعلقة صورهم على الجدر للأسلاب)، فأمور جديدة عليه، فأمور غريبة عن مزاجه، فأمور عابرة لغربها، ومما لا مراء فيه أن بسمارك المالك راغب في العناية بمرءوسيه، بيد أن مما لا يدور في خلده ولا يأذن فيه أن يبحث هؤلاء الناس في شئون أنفسهم وأن يطالبوا بعيش أفضل مما هم عليه وفق مرسوم؛ وذلك لأن بسمارك لم يغد نصرانيا صادقا في الحقيقة فيطلب منه أن ينتقل إلى تلك المرحلة فتجده غير قادر على النفوذ إلى رسالة عصره الاجتماعية أو القول بها.
وبسمارك إذ يجاهد خطيبته أكثر من أن يجاهد نفسه في سبيل التوراة والاعتقاد؛ فإنك تجده اليوم عاطفيا وتجده في الغد هزليا، وبسمارك يمسكنا دوما، وبسمارك في ذلك مخلص دوما، وبسمارك يفسر وينقد التوراة ثم يصرخ من فوره قائلا: «ومن هي العفريتة بولين؟ أهي ابنة عم لم أعرفها سابقا؟ وإني بسبب هذه العفريتة أذكر أنني لا أستطيع أن أجد في التوراة نصا على حظر تدنيس اسم الشيطان، فإذا كنت تعرفين ذلك فتفضلي علي ببيان الإصحاح والآية.» والواقع أنك ترى الفارس والموت والعفريت يتناوبون هنالك، وهو يروي أن أجداده لم يكونوا صادقي النصرانية، «ولم تكن أمي أحسن منهم إيمانا، وهل أتاك حديث الرئيس الفريزي
15
حين عماده؟» ويسأل عن مكان أجداده الملحدين فيما مضى. ويقال له: إنهم كانوا مدينين فيرفض تعميده، ويقول: «أود أن أكون حيث يكون آبائي.» ويمضي شجاعا بعد تلك الوثنية، فيقول: «أذكر ذلك من الناحية التاريخية فلا أطبقه.» وهو يعلق على ذلك كثيرا من التأملات اليائسة، فيقول: «لا أريد أن أنطق بالريب.» وهو بعد مثل تلك العبارة يقدر ضرورة وصول رسائله قبل الميعاد بيوم.
Unknown page