وهو خرافي بفطرته، فتحركه الخرافة أكثر من تحريك الاعتقاد الديني له، فيحسب في جميع أدوار حياته - حتى في أثناء شيبته - الزمن الذي يجب أن يموت فيه، وهو كرجل سياسي يذكر الرقم فيضع الله أمام دليل ذي حدين، فيقول: «إنني إذا لم أمت في السنوات (س) مت في السنوات (و).» أو يقول في كتاب إلى خطيبته: «لا تكادين تعرفين مقدار خرافيتي، فمما حدث أن الساعة الكبرى - الدقاقة الإنكليزية التي ابتاعها جدي في شبابه - وقفت بغتة ومن غير سبب في الدقيقة الثالثة بعد الساعة السادسة، وذلك في المكان الذي كانت فيه منذ سبعين سنة. اكتبي إلي بسرعة واذكري أنك تتمتعين بصحة جيدة.»
ويكون هدير كيانه أوضح من ذلك عندما يدون نجاواه
16
الطويلة في يوميات بلا شروح، فهنالك يستعمل أعظم ما في كلامه الرجولي من استعارات، «وذلك من مميزات الطبيعة البشرية لا ريب. فالذي يكترث لما يسود حياتنا الدنيا من سخف ولغو وغم يكون أكثر انتباها من الذي يمس ما هو أقل قوة من تلك العناصر العابرة الثائرة فينا بفعل ما للصفو غير المكدر من أزهار سهلة الذبول، وما على الأرض من جليل، تراه أبدا كملك ساقط جميل مع عدم صلح عظيم في مقاصده وجهوده مع عدم نجح حمي شجي.»
وهكذا تنعكس تأملاته الكبرى - وفي مثل تلك الأمسية - حين يجلس وحيدا في ردهة ذات قباب عالية يتدفق مثل تلك العبارات من أعماق نفسه بأسلوب عظيم كاعتراف شاعر، ولكن الصباح إذا لاح وبلغته دعوة النهار وأنذرته الدنيا وما فيها من صراع، هب ذلك الفارس من سباته،
17
والآن يتكلم عن شعر بايرون القاتم في الحسرة والألم، فيقول: «إنه شعر مخنث يمكنني أن أعارضه بأغنية الفارس: «اطلب الموت توهب لك الحياة»، وأفسر هذا بقولي: توكل على الله، وضع الركاب على طرفي جوادك النزق، وجب به البلاد مخاطرا غير هياب عالما بأن الموت آت ذات يوم وإن لم يكن أبديا. ولكن مع عدم مشاركتي للسيد غم.»
الفصل التاسع
جواد في إصطبل يسمع عدوا في الخارج فيود أن يثب ليجري
1
Unknown page