224

Bismarck

بسمارك: حياة مكافح

Genres

ويجادل في مسألة ضرب باريس بالمدافع، فلما «تدخلت أميرات إنكليزيات وغير إنكليزيات عن إنسانية» في الأمر فصرحن بأن من الخير أن تكره عاصمة الدنيا الفرنسية على التسليم بفعل الجوع لا بإطلاق النار، ولما مضت أسابيع مع عدم اشتمال البلاغ الرسمي في أثنائها على غير كلمة «لا حادث في باريس» المملة أخذ القطب السياسي بسمارك يخشى توسط المحايدين كما كان يخشى في نقولسبرغ، فصب جام

19

غضبه على مولتكه الذي صرح بأن كبريات المدن تستسلم من تلقاء نفسها إذا ما حوصرت.

وقد استفزت بسمارك هذه النظرية التي نبذها أساتيذ فن الحرب فيما بعد، وقد أبدى لبلومنتال بعنف ألمه من الملك ومن مولتكه قائلا حنقا: «إنهما لم يخبراني بشيء، إنهما عاملاني بغلظة ... فمتى انتهت الحرب اعتزلت من فوري، لا أطيق هذا الازدراء زمنا طويلا، هو قد جعلني مريضا، هو سيقتلني ما لم أضع حدا له، ما فتئت أعارض من البداءة حصار باريس الذي أعده خطأ كبيرا، والأفضل أن يعاد نابليون مع كتائبه التي لا تزال مخلصة له، فهذا الرجل المريض ليس خطرا، ولا يريد الملك أن يعرف شيئا، لقد كنت ملكيا حينما ذهبت إلى الحرب، فلن أكون كذلك بعد العود.» وقال لبنيغسن: «لن يطول انتظاري، فإذا دام وقف الحركات هذه انطلقت على حصاني إلى الحدود الألمانية مع خادمي!» وفي ذلك الحين يتظلم مولتكه إلى ولي العهد من بسمارك بقوله: «يريد بسمارك أن يقرر الأمور الحربية كما يقرر الأمور المدنية غير مستمع إلى ما يقوله الخبراء المسئولون، ويوجه الكونت بسمارك - فضلا عن ذلك - أسئلة إلى أركان الحرب عن أمور عسكرية سرية فلا أجيب عنها في مرات كثيرة، وأجدني مستشارا حربيا للملك، ولا أجدني ملزما بالانحراف عن مقاصدي عملا بآراء الكونت بسمارك.»

ويلجأ بسمارك في منتصف شهر ديسمبر إلى أسلوبه المفضل، فيضرب ويظل غائبا عن الأنظار أسبوعا كاملا، ويطلع صحافيا على الخصام الواقع فيأذن له في إنباء أمريكة بذلك، وبسمارك لم يظهر إلا بعد تقرير الضرب بالمدافع، وولي العهد يدعوه مع مولتكه إلى الغداء إذ ذاك حتى يوفق بينهما، ويتدخل فردريك مرارا مسيرا للحديث بهدوء؛ وذلك لما يبديه بسمارك من انتقاد لاتجاه الحرب منذ معركة سيدان على مسمع من مولتكه.

وفي المقر العام يجيء أمراء الألمان بعد القواد في إغضاب بسمارك، فقد كتب بسمارك بعد نشوب الحرب بثمانية أيام يقول لزوجه متذمرا: «إن من الفظاعة بمكان تلك الطريقة التي يشغل بها هؤلاء الأمراء النظار أحسن الأماكن، فيعرقلون عملي وعمل رون فيحملوننا على صرف موظفينا تمكينا لأصحاب السمو الملكي من إسكان خدمهم وحصنهم وحجابهم على الرحب والسعة.»

وكان بسمارك في أثناء تقدم الجيش يجتنبهم جهد الاستطاعة، فإذا ما صادفهم في أثناء زيارته للملك مضطرا وصف لزملائه ما أبصر من مهزأة بقوله: «يضم الاجتماع من الأمراء الكثيرين ما لا يكون معه مكان لجلوس الناس ... ويرى هنالك ذلك الأحمق الصاحب لرأس فارغ مع كلام لا معنى له ... والمعتز بنفسه لأنه أمير على حين تبصرني مستشارا في الجامعة له! ومصدر هذا ما يتلقونه من تربية تهدف إلى إتقانهم صوغ الجمل فقط، والكرسي هنالك في القصر، ويأتي عميد البلد فون (س) ليقدم واجب الإجلال، فيقال له: سررت برؤيتك أيها السيد العميد! وماذا تصنع هذه المدينة؟ أتنتج تبغا وجوارب قصيرة؟ وأوضع حول مائدة الملك بين أمير بافارية ودوك فيمار الأكبر، ويخلو الحديث من روعة.»

وذلك الدوك الأكبر من أشد بلايا بسمارك، فقد قال ذلك الدوك لبسمارك: «بما أن المفاوضات تتقدم الآن آمل منك يا مستشاري في الجامعة أن تزودني من الأنباء ما أتقدم معه بما يسر روسية.» وهذا الذي يريد بسمارك أن يجتنبه، وينحني بسمارك ويقول ساخرا سخرا مضمرا: «لن أترك أمرا يرضي دوكي الأكبر.» ولما أرسل الدوك الأكبر وزيرا إلى بسمارك بعد ذلك قال هذا الأخير إن مما يذهله أن يأتي الدوك الكريم بما يؤثر في وقته وصحته من الادعاء، ويرسل أمير كوبرغ إليه كتابا مؤلفا من اثنتي عشرة صفحة عن السياسة الألمانية، فيخبره بأنه وجد واحدا من جميع الاقتراحات يكاد العمل به يكون ممكنا، وبأن هذا الاقتراح لا يستحق أن يناقش فيه بالحقيقة.

ويبرق دوك فيمار الأكبر إلى زوجته بأسلوب الملك ولهلم فيقول لها: «إن جيشي قاتل ببسالة.» وتمر البرقية من يد بسمارك فيأتي بأمين سره في منتصف الليل ليطلعه عليها وليذيع أمرها المضحك بين الناس، ويفرط دوك سكس ميننجن في شغل دائرة البرق المرهقة بأموره الخاصة، فيرسل إلى هذا الأمير الصغير من يخبره بأنه لا يسمح باستعماله برق الميدان في شئونه الشخصية؛ أي في موضوع مغارسه ومغانيه ومرابطه، ويفرط أمير كوبرغ في الأمر أكثر من ذلك، وكتب أمير هس في شهر نوفمبر، وهو وطني ألماني آخر أراد في شهر يوليو أن يحفظ لنفسه حرية القرار مستقلا، يقول له إنه سيأتي إلى فرساي إذا ما ضمن له ألا يكون راكبا حصانا لدى دخول الغزاة باريس ظافرين!

ويجد بسمارك جميع أمراء ألمانية عند الملك في يوم آخر، «فيجتمع أصحاب السمو حولي كتجمع الغربان حول البوم ... ويزين كل واحد منهم نفسه باقتطاعه أكثر من سواه دقيقتين أو ثلاث دقائق من قوتي ... ويروى لهم في نهاية الأمر وجود رجل أو ظهر لأريكة تتويج قديمة في الغرفة المجاورة فيذهبون ليروا هذا الشيء الغريب، فأغتنم فرصة ذلك فارا»، وفيما هو يتغدى في مسكنه ذات يوم يدعى لوصول دوك بادن الأكبر، ويعود بعد عشر دقائق مغاضبا قائلا: «هذه عادة رديئة! هم لا يدعونني وحدي حين الطعام! هم سيقتفون أثري حتى غرفة نومي! الناس في برلين ينبئونني كتابة قبل حضورهم، فلم لا يصنعون مثل ذلك هنا؟ وماذا أفيد من هذا؟ الانزعاج! أقيء صفارا

Unknown page