204

Bismarck

بسمارك: حياة مكافح

Genres

14

ورسول بسمارك أولنبرغ هذا أخبر الملك بغضب مستشار الجامعة بسمارك، وأولنبرغ هذا قص على الملك نبأ أسف مولتكه ورون، وأولنبرغ هذا أطلع الملك على خيبة أمل بسمارك بسبب سلوكه، ثم كان امتناع بسمارك عن زيارة إمس، ثم كانت برقية تهديده! وبدا الملك مؤدبا مع «قليل شدة» تجاه السفير الفرنسي، ولا بد من أن يكون الجميع قد أرخى للغضب عنانه في الحجرة، وإذا كان الأنيس أبيكن، وهو الذي يعجز عن إلحاق الأذى بذبابة - وهو الذي يعجز عن إيذاء دوك لذلك - يتكلم رسميا عن «طلب قسري»، وعن «رفض»، أمكننا أن نستنبط من هذا استعمال ألفاظ أقوى من تلك في أثناء المفاوضة، وما الأمر ، وقد فوض إلى حاجب أن يقول لسفير دولة عظيمة: إن الملك راغب عن مقابلته مرة ثانية وإن الملك ليس عنده ما يقول له؟ ومن المحتمل أن يكون الملك الشائب قد انساق وفق تحريض أولنبرغ أو أحد الحجاب، فوافق على الفكرة القائلة بأن يطلع الناس على ذلك الرفض بطريق السفراء والصحافة، وبسمارك في هذه المرة، كما في سنة 1862 حينما كان في إحدى حجيرات القطار مع الملك بين جوتربوغ وبرلين، ولكن مع التجاء بسمارك إلى الواسطة الآن، يشعر الملك بأنه بذل أقصى جهده كضابط في الجيش، فعليه أن يحاول العمل بتردد أقل من قبل.

ويكون لتلك البرقية تأثير هاد في بدء الأمر، ويفقد كل من القائدين شهوة الطعام، «فلا يأكلان ولا يشربان، وأفحص الوثيقة غير مرة، فأقف عند حد ما تشتمل عليه من تفويض صاحب الجلالة إياي، وأضع بضعة أسئلة لمولتكه مستفسرا عن درجة استعدادنا الحربي، وعن الزمن الذي لا بد منه تأهبا لحرب قريبة الوقوع»، ويجيب مولتكه عن ذلك بأن شهر الحرب في الساعة الراهنة أفيد لبروسية من التأجيل، وهنالك يمسك بسمارك قلمه الرصاصي الضخم، وهنالك يلخص تلك البرقية الرقمية به لتنشر كما يأتي:

بعد أن بلغ رسميا خبر عدول الوارث الهوهنزلرني عن كل مطالبة بالتاج الإسباني إلى حكومة فرنسة الإمبراطورية بواسطة حكومة إسبانية الملكية قدم سفير فرنسة إلى الملك بإمس طلبا آخر بالإذن له في الإبراق إلى باريس بأن صاحب الجلالة الملك ألزم نفسه بعدم الموافقة في المستقبل على ذلك إذا ما عاد آل هوهنزلرن إلى خطة الترشيح، فهنالك رفض صاحب الجلالة مقابلة سفير فرنسة مرة أخرى، مفوضا الحاجب العتيد بأن يقول لهذا السفير إنه ليس عند صاحب الجلالة ما يبلغه إليه.

ومن ثم ترى أن كلمة جدية لم تدس إلى البرقية، أجل حذف منها بعض الكلمات، ولكنه لم يضف إليها شيء، حتى إن الكلمة الجافية: «ليس عنده ما يقوله للسفير» قد حولت إلى ما هو ألطف منها؛ أي حولت إلى: «ليس عنده ما يبلغه إليه»، وتبليغ الأمر إلى السفراء وإلى الصحافة، وهو خطوة ذات تأثير هائل، هو من إيحاء الملك وإيصائه وإيعازه، ويمكن ذلك الرجل الذي أعاد كتابة البرقية أن يتمثل، وأن يسمع ترجمتها إلى الفرنسية، وأن يرى بعين بصيرته «رفضه» حينما ينادي به باعة ملحقات الجرائد في شوارع باريس، ولا يوجد تزوير مع ذلك، ولا يوجد أكثر من تكثيف مع ذلك.

ولا يعدو الأمر حد منطاد طويل لا شكل له مشتمل على قليل غاز جاثم فوق الأرض فلا يستطيع الصعود في الهواء، فلما ذئط

15

قب

16

ما بقي منه فطار في الجو بسرعة وصار ظاهرا لألوف الأبصار. وتنطوي تلك البرقية التي نشرت على ذلك الوجه؛ على الجواب الذي قصده بسمارك تجاه الفرنسي، فعلى الفرنسي أن يختار الحرب أو الإذعان، وعلى ما كان من تسمية ليبكنخت بعد زمن لتلك البرقية ب «الجريمة التي لا نظير لها في التاريخ» لا نرى هذه الجريمة من صنع بسمارك، وإنما الجريمة كل الجريمة هي في نظم المجتمع والحكومة التي تبيح لرجلين أو ثلاثة رجال إيقاد نار حرب من غير استشارة الشعب.

Unknown page