وتقضى ليلة بأسرها في وضع التدابير ورسم الخطط، وفي إيقاظ كوامن العجب والحقد، وفي صباح اليوم الثالث عشر من الشهر تأتيه أنباء من سفارة روسية، لا من إمس لا ريب، فيعلم منها أن باريس لا تزال غير راضية، فيا له من إسعاف! والآن في محادثته سفير إنكلترة يمكنه أن ينتحل وضع الغاضب الصائب فيقول: «إذا ما قدمت باريس طلبات أخرى شهد العالم أنها تود شهر حرب انتقام في الحقيقة، وقد عزمنا على ألا نحتمل الشتم وأن نصمد للتحدي، ولا نستطيع أن نقف موقفا سلبيا تجاه تسلح فرنسة وسبقها في الاستعداد الحربي، نحتاج إلى ضمان وثيق ضد خطر هجوم مفاجئ، وستطالب بروسية بالاعتذار ما لم يكف غرامون عن خطب وعيده.»
وكانت الأمور سائرة سيرا ملتويا، فأعادها إلى نصابها، ويضع غريمه القصير البصر والضعيف المستوى الورق الرابح في يده، فبينما كان بسمارك مسافرا بالأمس وبينما يتنزل الأمير الهوهنزلرني عن تاج إسبانية يبرق غرامون من تلقاء نفسه إلى بنيديتي ليطالب ملك بروسية ببيان رسمي عن ذلك التنزل، ويحمل غرامون سفير بروسية بباريس على الكتابة إلى الملك ولهلم قائلا إن نابليون الثالث يريد منه كتابا مشتملا على أن بروسية لا تأتي عملا ضارا بمصالح فرنسة ماسا لكرامتها، ويأمل غرامون أن ينال نصرا مؤزرا في مجلس النواب بوضعه تينك الوثيقتين في قمطره،
11
وفي ذلك المساء يبدي غرامون نفسه في سان كلو هائجا مغاضبا، ومما حدث منذ أربعة أيام أن مرض الإمبراطور نابليون الثالث مرضا شديدا فرفض العملية التي حضه عليها ناصحوه خشية الهلاك، وتمضي ثلاث سنين فيرضى بهذه العملية، فلو ارتضاها الآن لمات بالمبضع
12 - على ما يحتمل - ولسلم أناس كثيرون من القتل في ساحة الوغى.
ويحتدم بسمارك عند سماعه نبأ ذلك الاقتراح الذي قدم إلى سفيره وما كان من رد سفيره له بأدب، ويستدعي بسمارك سفيره ذلك من فوره، ويبرق بسمارك إلى مليكه بإمس مهددا بالاستقالة إذا ما قابل بنيديتي مرة أخرى، ويأتي مولتكه ورون للغداء معه بعد الظهر، ويعرب لهذين القائدين، اللذين قالا أمس بالحرب، عن عزمه على الاستقالة، ويقول رون إن هذا يعني الارتداد على حين يجب على الجنود أن يحتملوا كل شيء، وينتصب بسمارك قائلا: «إنكما جنديان تمتثلان الأوامر، ولا تستطيعان أن تشاطرا بصر وزير مسئول، ويتعذر علي أن أضحي بشرفي في سبيل السياسة.» ثم يؤتى ببرقية من إبيكن مكتوبة بالشفرة، فتوضع على المائدة، وهي:
كتب صاحب الجلالة يقول لي: «دنا الكونت بنيديتي مني في أثناء نزهتي ليسألني ملحا أن آذن له في الإبراق حالا بأنني ألزم نفسي في المستقبل بألا أوافق على ترشيح أحد من آل هوهنزلرن، وقد رددته بشيء من الشدة قائلا إنه لا يمكن، ولا ينبغي إعطاء مثل هذا التعهد إلى الأبد، ومن الطبيعي أن قلت له إنني لم أتلق خبرا بعد، وإنه إذ كانت عنده أنباء أحدث مما لدي من باريس ومدريد، يمكنه أن يحقق أنه لا شأن لحكومتي في الأمر.» ثم أخذ الملك كتابا من الأمير شارل أنطوني بعد ذلك، وبما أن صاحب الجلالة قال للكونت بنيديتي إنه ينتظر أخبارا من الأمير عزم على عدم مقابلة الكونت بنيديتي لما تقدم متبعا نصيحتي ونصيحة الكونت أولنبرغ كما عزم على تبليغه بواسطة حاجب أن لديه الآن ما يوكد النبأ الذي تلقاه بنيديتي من باريس، وأنه ليس عنده ما يقوله للسفير، فصاحب الجلالة قد ترك لفخامتكم أن تقرروا: هل من الأصلح أن تبلغوا إلى سفرائنا وإلى الصحافة في الحال خبر طلب بنيديتي الجديد وخبر رفضه.
ويدل نص تلك البرقية البعيد من الأسلوب الرسمي على بلوغ الاستياء غايته، وكانت نصيحة أولنبرغ تلك، وفق إرشادات بسمارك، آخر الوقش،
13
وكانت نصيحة أولنبرغ تلك كسهم ولهلم تل!
Unknown page