186

Bismarck

بسمارك: حياة مكافح

Genres

ويقول: وأنت الآن تريد أن تتركني؟ فماذا أصنع بعد ذلك.» فعلى هذا الوجه يصف بسمارك صلته بالملك في حديث له مع كارل شورز الغريب عنه تماما، ولا ريب في أن له غاية من وراء ذلك؛ فهو يريد أن يبين للولايات المتحدة ضرورته وأن يذيع أمره فيها، وهو يبلغ هذا الهدف مضحيا بكرامة ولي أمره، ويقول بسمارك لوزير سكسونية، ويريد نشر الوزير لقوله هذا في بلده: «ترى ثقافة مولاي ناقصة مع شعوره العظيم بالواجب؛ وذلك لأن أباه لم يعن بغير تربية أخيه الأكبر تربية كافية، وفي هذا سر ما نبصره من عدم وجود رأي خاص به ومن اتباعه للآراء التي تتجاذبه من مختلف الجهات.» وفي ذلك الدور يكون لبنيغسن صلات كثيرة به، فيقول في كتاب إلى خل

3

له إن بسمارك يزدري جميع الوزراء ماعدا رون، «وإن كل واحد من الملك وبسمارك يبغض الآخر أكثر من أن يحبه، وإذا نظرت إلى علاقاته بوارث العرش وجدتها فاترة إلى الغاية.»

ويلوح أن تعبير «البغض» غير صحيح؛ فبسمارك قد تعود الملك، وبسمارك عانى كبير عسر في جعل الملك يتعوده، وبسمارك يكون - بما تم له من فوز على الملك - قد روض صاحب السلطان الوحيد الذي يحتمل وجوده فوقه، وبسمارك وإن بدا الحصان الحامل للفارس الملكي في بدء الأمر غدا اليوم الفارس، ويتكلم بسمارك عن حرب الأسابيع السبعة من سنة 1866 فيقول: «لقد همزت

4

في ذلك الحين بشدة لأحمل الجواد الأصيل القديم على الوثوب والمجازفة.» والطريق التي يسلكها عندما يبصر جماح الملك هي ما يبديه من الروائية في طلب الإذن له في الاستقالة، وذلك كما فعل في أوائل سنة 1869 حين انتزع إقالة أوزدوم الذي ساوره شك في أنه سيخلفه ما أبصر من صلة الملك الوثيقة به كأحد البنائين الأحرار: «وإن الحافز الوحيد هو نقص قواي وصحتي نقصا لا أنجز معه ما تطلبه جلالتكم من الخدم، وإن مجموع الواجبات الملقاة على عاتقي مما لا يمكن إتمامه إلا ببذل جميع نشاطي، وبضمان جلالتكم تهوين ما يلازمني من شدة في اختيار زملائي، وبمنحي كامل ثقتكم، وبما يؤدي إليه هذا من حرية السير.» ومما يزيد عزمه تثبطا «هو أن جلالتكم بما عليه من أريحية مجيدة تجاه كل واحد من خدمها وتجاه مقتضيات الخدم تؤثر تأثيرا ضارا ببواعث ذلك الذي يحتمل نتائج أعمال الآخرين الناقصة، وما علي أن أحتمله من كفاح في حياتي الرسمية فقد أورثني زوال الحظوة لدى الأكابر وجعلني موضع نفور عند ذوي النفوذ، ولي أن أطمع في عفو جلالتكم تجاه هذا الضعف الذي هو نتيجة حبي لشخص جلالتكم والذي قد يكون نتيجة اعتلال، ولا أشعر بأنني أعيش طويلا، وأخشى أن أصير إلى ما صار إليه الملك الراحل، وليس لي معذرة لدى جلالتكم في إدارة الشئون الرسمية مع ضعف صحتي».

ذلك الكتاب من الغرر، ويروي بسمارك نفسه أنه ظل مضربا بعض الإضراب عن العمل عدة أيام قبل أن يرسل ذلك الكتاب، وفي الكتاب تعداد لمآثم الملك، وفي الكتاب يذكر بسمارك أن الملك ولهلم يفضل عليه لأسباب شخصية أناسا كانوا يتدخلون في أعماله فيعرضونه لبغض الناس، وهكذا يخسر قواه البدنية والذهنية، وهكذا يتدرج إلى الجنون كالملك الراحل، ولا يشفيه مما هو عليه غير أمر واحد، غير حرية السير.

ويفزع الملك، «وكيف تظن أنني أسلم بما تطلب طرفة عين؟ إن هناءتي في أن أعيش معك وأن نكون متفاهمين دوما! وكيف تكون مكتئبا بهذا المقدار فيدفعك اختلاف صغير في الرأي إلى اتخاذ هذه الخطوة التي لا مبرر لها؟ إن اسمك في تاريخ بروسية أعلى من اسم أي قطب سياسي بروسي كان، وكيف أدع سياسيا مثلك يترك خدمتي؟ كلا، إن في الهدوء والرجاء ما يذلل كل صعوبة، صديقك المخلص: ولهلم.» وتكرر كلمة صديق ثلاث مرات، ويضحى بأوزدوم، ويمكن قياس قوة مشاعر الملك عند تسريح أخيه من البنائين الأحرار، أوزدوم، بإظهاره الفرق بين دخل أوزدوم الرسمي وما ينفقه من ماله الخاص، وبلغ حز ذلك في نفس الملك ما قال معه في كتاب ثان: «ولي ثقة بأنك لا تراني أجعل أصابعي في أذني تجاه أصوات أولئك الذين يتوجهون إلي في الأوقات الخطيرة مطمئنين.» ولما بلغ من الحال ما طلب معه الإذن له في ترك منصبه الملكي بحجة التعب أيضا كما طلب بسمارك كتب بسمارك على الهامش قوله: «كلا! ولكن مع الاطمئنان - بسلامة نية - إلى ما لا يستطيع الإنسان أن يراه بنفسه بين ثلاثين مليونا، ومع اعتقاد ما يؤكده الوزير رسميا!» ويوقع الملك مع جملته الجميلة للمرة الأولى: «الشاكر لكم إلى الأبد: الملك ولهلم.»

ويصبح الوضع مقبولا مع ولي العهد، ويلطف النصر حدة كلا الرجلين، ويستطيع أمين سر فردريك دنكر وهو من الأحرار أن يضع مشروع دستور، وإن لم يقبل بسمارك هذا المشروع، وينطلق الأحرار الوطنيون إلى المناصب الوزارية، غير أن الأميرة فيكتورية وهي أكثر من زوجها حماسة وغطرسة اغتنمت ذات يوم فرصة حديث حول مائدة عشاء، فهاجمت الوزير «مع مؤانسة ومناكدة» قائلة له: «من الواضح يا كونت بسمارك أنك بلغت من الطموح ما تطمع به أن تكون ملكا أو رئيس جمهورية!»

ويجيب بسمارك عن هذا التنكيت قائلا بجد تام: «لا أكون جمهوريا صالحا، ومن تقاليد آلي أن أحتاج إلى عاهل من أجل سعادتي الدنيوية، ولكنني أحمد الله على أنني لا أضطر دوما إلى العيش على طبق كالملك، ومن المحتمل ألا تعم قناعتي الشخصية، ومما لا أفترضه أن يفنى الملكيون وإن هلك الملوك، وقد يكون الجيل المقبل جمهوريا عند عدم وجود ملك.»

Unknown page