256

al-Bidayat wa-al-nihayat

البداية والنهاية

Publisher

مطبعة السعادة

Publisher Location

القاهرة

Genres

History
فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ. وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ. قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ. رَبِّ مُوسى وَهارُونَ ٧: ١١٧- ١٢٢ وذلك أن موسى ﵇ لما ألقاها صَارَتْ حَيَّةً عَظِيمَةً ذَاتَ قَوَائِمَ (فِيمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَعُنُقٍ عَظِيمٍ وَشَكْلٍ هَائِلٍ مُزْعِجٍ بِحَيْثُ إِنَّ النَّاسَ انْحَازُوا مِنْهَا وَهَرَبُوا سِرَاعًا وَتَأَخَّرُوا عَنْ مَكَانِهَا وَأَقْبَلَتْ هِيَ عَلَى مَا أَلْقَوْهُ مِنَ الْحِبَالِ وَالْعِصِيِّ فَجَعَلَتْ تَلَقَّفَهُ وَاحِدًا وَاحِدًا فِي أَسْرَعِ مَا يَكُونُ مِنَ الْحَرَكَةِ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهَا. وَأَمَّا السَّحَرَةُ فَإِنَّهُمْ رَأَوْا مَا هَالَهُمْ وَحَيَّرَهُمْ فِي أَمْرِهِمْ وَاطَّلَعُوا عَلَى أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ فِي خَلَدِهِمْ وَلَا بَالِهِمْ وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ صِنَاعَاتِهِمْ وَأَشْغَالِهِمْ. فَعِنْدَ ذَلِكَ وَهُنَالِكَ تَحَقَّقُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِسِحْرٍ وَلَا شَعْبَذَةٍ وَلَا مِحَالٍ وَلَا خَيَالٍ وَلَا زُورٍ وَلَا بُهْتَانٍ وَلَا ضَلَالٍ بَلْ حَقٌّ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا الْحَقُّ الَّذِي ابْتَعَثَ هَذَا الْمُؤَيَّدَ بِهِ بِالْحَقِّ وَكَشَفَ اللَّهُ عَنْ قُلُوبِهِمْ غِشَاوَةَ الْغَفْلَةِ وَأَنَارَهَا بِمَا خَلَقَ فِيهَا مِنَ الْهُدَى وَأَزَاحَ عَنْهَا الْقَسْوَةَ وَأَنَابُوا إِلَى رَبِّهِمْ وَخَرُّوا لَهُ سَاجِدِينَ وَقَالُوا جَهْرَةً لِلْحَاضِرِينَ وَلَمْ يَخْشَوْا عُقُوبَةً وَلَا بَلْوَى آمَنَّا بِرَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذابًا وَأَبْقى. قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى مَا جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَالله خَيْرٌ وَأَبْقى إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى.
وَمن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى. جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ من تَزَكَّى ٢٠: ٧٠- ٧٦ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ وَالْقَاسِمُ بْنُ أبى بردة وَالْأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُمْ لَمَّا سَجَدَ السَّحَرَةُ رَأَوْا مَنَازِلَهُمْ وَقُصُورَهُمْ فِي الْجَنَّةِ تُهَيَّأُ لَهُمْ وَتُزَخْرَفُ لِقُدُومِهِمْ وَلِهَذَا لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى تَهْوِيلِ فِرْعَوْنَ وَتَهْدِيدِهِ وَوَعِيدِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ فِرْعَوْنَ لَمَّا رَأَى هَؤُلَاءِ السحرة قد أسلموا واشهروا ذكروا مُوسَى وَهَارُونَ فِي النَّاسِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ الْجَمِيلَةِ أَفْزَعَهُ ذَلِكَ وَرَأَى أَمْرًا بَهَرَهُ وَأَعْمَى بَصِيرَتَهُ وَبَصَرَهُ وَكَانَ فِيهِ كَيْدٌ وَمَكْرٌ وَخِدَاعٌ وَصَنْعَةٌ بَلِيغَةٌ فِي الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ مُخَاطِبًا لِلسَّحَرَةِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ٢٠: ٧١ أَيْ هَلَّا شَاوَرْتُمُونِي فِيمَا صَنَعْتُمْ مِنَ الْأَمْرِ الْفَظِيعِ بِحَضْرَةِ رَعِيَّتِي ثُمَّ تَهَدَّدَ وَتَوَعَّدَ وَأَبْرَقَ وَأَرْعَدَ وَكَذَبَ فَأَبْعَدَ قَائِلًا إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ ٢٠: ٧١ وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ٧: ١٢٣. وهذا الّذي قاله من البهتان يَعْلَمُ كُلُّ فَرْدٍ عَاقِلٍ مَا فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالْكَذِبِ وَالْهَذَيَانِ بَلْ لَا يَرُوجُ مَثَلَهُ عَلَى الصِّبْيَانِ فَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ مِنْ أَهْلِ دَوْلَتِهِ وَغَيْرِهِمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ مُوسَى لَمْ يَرَهُ هَؤُلَاءِ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ فَكَيْفَ يَكُونُ كَبِيرَهُمُ الَّذِي عَلَّمَهُمُ السِّحْرَ ثُمَّ هُوَ لَمْ يَجْمَعْهُمْ وَلَا عِلْمَ بِاجْتِمَاعِهِمْ حَتَّى كَانَ فِرْعَوْنُ هُوَ الَّذِي اسْتَدْعَاهُمْ وَاجْتَبَاهُمْ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ وواد سحيق ومن حواضر بلاد

1 / 256