فقالت ضاحكة: لا .. لا. لا فائدة من الكذب، أنت تعرف وهو يعرف.
وما كادت الكئوس تفرغ حتى طلب غيرها وهو يقول: لا ترفضا، دعونا نشرب، لن نسكر على أي حال، وهي ليلة العمر.
ومضت الألفة تحل محل التحفظ، ويشيع الدفء بتأثير الكونياك ولباقة علي بركة وحيويته. وراح يقول: كان يجب أن نكون أصدقاء حميمين، يتبادلون المودة والأسرار، ولكن فات الوقت للأسف، فلم يبق لنا إلا أن نذكر شيئا من الأمور الجوهرية جدا لتمام التعارف، أسعد حادث في حياتنا مثلا، أو أبقاه أثرا في نفوسنا؟
رحب سيد عزت بالاقتراح لا لشيء؛ إلا لأنه يجد ما يقول، فقال: لعل أسعد حادث صادفني هو نجاح ابني الأكبر في الثقافة العامة بعد ما يشبه اليأس.
ونظر الرجل إلى المدام مستطلعا كأنما كانت هي الهدف الحقيقي لاقتراحه، فابتسمت قائلة: زواج ابنتي الكبرى، ولكن الحادث الذي لا أنساه هو وفاة زوجي منذ أربعة أعوام.
كاد التهلل للخبر يفلت من أساريره، لولا أن تداركه بتقطيبة مصطنعة، ثم هز رأسه في رثاء. وانتهز فرصة الصمت الذي تلا ذلك، فطلب الكونياك لثالث مرة، ثم ضحك مفتتحا صفحة جديدة، وقال: أحداثي أنا لا تخلو من غرابة، فأسعدها كان وفاة قريب آلت إلي تركته، وأتعسها جاءني منك أنت يا مدام. - أنا! - أجل، وأنت تعرفين السبب.
فقالت متشجعة بفعل الكونياك الخفي: تعني مطارداتك لي في الشارع؟ - أعني إعراضك عني حتى قبل الزواج. - يا عزيزي، أنت لم تكن جادا. - كيف عرفت؟ - أنا أفهم، أنت لم تكن جادا.
وقال سيد عزت وهو يفرغ ثمالة كأسه: أنا موافق. - أنت أيضا! هل اختفت نواياي الطيبة إلى ذلك الحد؟ - لم تكن هناك أية نية طيبة! - وأنت؟ كنت تأكلها أكلا وتأكل نفسك.
فقال سيد عزت بتسليم: لا أنكر ذلك!
ضحك الرجل في شماتة أمام مدام ماتياس، فقالت: لا أصدق. - لماذا؟
Unknown page