لماذا يكرهونه؟
كان له وجه طويل عظمي ناحل، وكان له «دقة» تركوازية لوشم ثلاث حبات هرمية لعنبات، أو تفاحات. يدخن بطريقة متواصلة، وبين وقت آخر يبصق في سلة بين قدميه، معاودا الكتابة والتلصص.
وأجابه: بأن من السابق لأوانه الربط بين أوراق حكايات قديمة كان قد جمعها منذ زمن من أفواه العامة بنفس ما يحدث في حالات جني القطن وآفاته، وهو أمر عادي غير ضار بالدرجة التي يربط بينها وبين الموسى، الذي لم يفارق جيبه الخلفي منذ الإفراج عنه عبر صحاري مصر المحاطة إحاطة الرمل بالواحة، وعبر سلسلة متناهية من محاولات الإطباق عليها وجها لوجه من كل جانب، على عادة ما يحدث مع الحيوانات الضارية، التي أفضت به بدورها؛ لأن يصبح مثلهم ومن فصيلتهم ضاريا.
دفع طاولة المحقق في الوقت الذي أطبقت عليه من كل جانب العساكر القصيرة في محاولة لمنعه من الوصول بمرفقه إلى طاولة المحقق، مجاهدا في عنف حقيقي لمقاربة سلة الزبالة بين قدمي المحقق الموشوم؛ لينكفئ باصقا مسعلا في عنف أقرب إلى السعار الطويل المصاحب للإغماء وحالاته، مهوهوا على عادة الكلاب الضالة: هو ... هو.
ظل يسعل مهوهوا منكفئا عبر مساحة الصمت المطبق وقيام المحقق المدني الموشوم على كرسيه الخيزراني مبتعدا، ووجوم العسكر، وذعر الصول السمين، إلى أن دفع له أحدهم بالسلة، وآخر بكوبة ماء، ثم شاي بالنعنع ولفائف، وانتهى الموقف بنجاحه في كبح ذلك البكاء الداخلي الملازم للسعال والسعار.
اعتذر للجميع وشدد عليهم مسلما، خاصة الصول الذي أشار بجمع حاجياته، وحين عاد إلى السيارة رحب به الجميع، وانطلق السائق الفلسطيني من أريحا عبر حواري عمان المتعرجة المتصاعدة، بموازاة البيوت الواطئة والمتعالية على مدى التلال التي تعتليها المدينة.
تزايدت النار على المحاور.
قال: يبدو أنها بيئة ملائمة لأن ينبت فيها نبي الصبر أيوب الدمشقي، فالناس هنا سواء: الركاب الأربعة الذين لا يجمعهم سوى السيارة وسائقها يبدون مستسلمين، حتى عندما سرت إشاعة أن الأمر قد يحتاج إلى نجدات عاجلة بالجرافات والهيلوكوبتر لخروج سيول على المحاور.
أينما وجد الناس تستعر النيران على كل المحاور.
كان قد خلفها في القاهرة، لتطالعه هنا في بيروت هي هي ، فلعله ذات الوهج، درجات التوتر، لزوجة الجلد الأصفر، الافتقاد داخل غابات المدن المعنية المحاصرة بالخوف والتربص، والتي تتحين في كل لحظاتها الغوص العمودي، الاختباء المصاحب للطرد، فهي في كل حالاتها وتواجدها طريدة، لا مكان لها في فلك القدماء ولا العائشين. إنها هي بعينها سليلة ذلك الحيوان أو الابن النوحي الطريد، لا مكان.
Unknown page