Bayna Din Wa Falsafa
بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط
Genres
ولكن من الحق مع ذلك أن نشير إلى أن ابن سينا حاول أن يخفف من غلو أرسطو بإبعاد إلهه أو محركه الأول عن العالم، فخالف الفارابي فيما ذهب إليه من أن الله لا يعلم إلا ذاته، وجعله يعلم ما يجري في العالم علما كليا عاما لا جزئيا خاصا، أي: يعلم العالم وما يكون فيه باعتباره سلسلة من أسباب ومسببات عنها، أو باعتباره السبب الأول الذي صدر عنه.
68 •••
هذا، ونرى من المفيد أن نشير هنا بعد ما تقدم إلى أن ابن سينا اندفع في محاولته التوفيق بين الشريعة والفلسفة بعوامل ليس منها على ما نرى خشية اضطهاده بسبب الفلسفة.
لقد عاش أبو علي في بيئة تشجع العلم والعلماء، والتفكير والمفكرين، واتصل شطرا من حياته بسلطان بخارى نوح بن نصر الساماني المعروف بحبه للعلم، وأفاد كثيرا من كتبه.
وأما ما أصابه بعد وفاة أبيه من الاضطراب الكبير في حياته، فإن سببه اشتغاله بالسياسة واتصاله بالأمراء في ذلك العصر الذي كان مليئا بالفوضى والدسائس، حتى إنه كما يروي صاحبه أبو عبيد الجورجاني ولي الوزارة لشمس الدولة أمير همدان، ثم اضطرب عليه الجند وأغاروا على داره ونهبوا جميع ما كان يملكه، وسألوا الأمير قتله فامتنع واكتفى بنفيه، ثم عاد ثانيا للوزارة، وهكذا ظل يحيا حياة مضطربة حتى مات عام 428ه بهمذان.
69
ونريد بذلك أن ندلل على أن ابن سينا انبعث إلى التوفيق بين الشريعة والفلسفة بالباعث الذي أشرنا إليه أكثر من مرة، وهو أن هذا التوفيق يعنى به الفيلسوف الذي له دين يحرص عليه، وذلك ليوائم بين ما يراه حقا وإن كان في صورتين مختلفتين، أي: الوحي والعقل معا. (2) في المغرب (البطليوسي وابن طفيل) (2-1) البطليوسي
تلك كانت عناية فلاسفة المشرق الإسلامي ومفكريه بتحديد العلاقة بين الدين والفلسفة، فمنهم، كما عرفنا، من رأى وجوب الفصل بينهما، مثل السجستاني، ومنهم من رأى التوفيق بينهما، مثل الكندي والفارابي وابن سينا، وكذلك شغلت هذه المسألة فلاسفة المغرب ومفكريه أيضا، ونبدأ منهم بالبطليوسي.
وهو عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي، الذي ولد في بطليوس سنة 444ه وتوفي في بلنسية سنة 521ه، وكلتاهما من بلاد الأندلس كما هو معروف.
70
Unknown page