Bayna Din Wa Falsafa
بين الدين والفلسفة: في رأي ابن رشد وفلاسفة العصر الوسيط
Genres
وما دام الأمر كذلك؛ فلا تعارض إذن بين المعقول الصريح والمنقول الصحيح، أي: لا تعارض بين ما يؤدي إليه العقل السليم وبين ما ثبت نقله عن الرسول.
هكذا يرى ابن تيمية، وهو يؤكده بأنه قد تحقق ذلك بنفسه؛ إذ تبين له بعد تفكير طويل اتفاق ما وصل إليه العقل الصحيح النظر في المسائل الكلامية الكبرى، كمسائل التوحيد والصفات والقدر والنبوات والمعاد، مع ما جاء عن ذلك في الشريعة تماما.
71
ولنا أن نأخذ بحق مما تقدم أن مشكلة التأويل لم توضع أمام ابن تيمية، بمعنى أنه لم يرها مشكلة تتطلب حلا لها، وذلك بأن هذه المشكلة لم تعرض للمفكرين من رجال الدين إلا لما رأوه من وجود تعارض بين ما ثبت بالعقل وما ورد به الشرع، فاضطروا لتأويل ما لا يتفق والعقل من النصوص الدينية الوحيية.
ولكن ابن تيمية لا يرى وجود تعارض مطلقا، والمنقول الذي يقال إنه يخالف العقل لا يكون إلا حديثا موضوعا، أو نصا آخر لا يدل دلالة قاطعة على ما يراد الاستدلال به عليه، وعلى فرض وجود تعارض بين العقل والنص يجب ترجيح الأخذ بالنص الثابت عن الأنبياء على ما يؤدي إليه العقل واستدلاله.
ومن الحق أنه ذكر في بعض ما كتبه في هذا الشأن أنه عند تعارض العقل والسمع يجب تقديم ما تكون دلالته قطعية منهما، سواء أكان هو الدليل العقلي أم الدليل السمعي، ولكنه قال بعد هذا بقليل: «ولكن كون السمعي لا يكون قطعيا دونه خرط القتاد.»
72
أي إن الدليل السمعي متى ثبت صحة النقل يقدم دائما على العقل وما يؤدي إليه، وكل ذلك يؤدي بنا إلى النتيجة التي استخلصناها، وهي أن مسألة التأويل لم توضع أمام ابن تيمية؛ إذ لم يكن لديه أسبابها.
ومن أجل هذا نرى الإمام تقي الدين ينقد بشدة ابن سينا والغزالي وابن رشد وابن ميمون، وغيرهم من المتصوفة والملاحدة الذين اصطنعوا طريقة التأويل لبث آرائهم في القرآن والحديث، وبذلك مزجوا هذين المصدرين المقدسين بالآراء الفلسفية التي جعلوها أصلا يؤولون النصوص الدينية بحسبها لتتفق معها؛ ولذلك أيضا قد يضطرون عندما يجدون النص لا يوافق ما زعموه حقا بعقولهم، إلى أن يقولوا إن الرسل تكلموا على سبيل التمثيل والتخييل للحاجة إلى إفهام العامة وأمثالهم.
73 •••
Unknown page