ثم انقطع الحديث هنيهة من الوقت و«أليس» تبكي بكاء مرا وتتلهف عن كبد حرى، فدنت منها «ماري» وقبضت على يدها وهي تقول: خفضي عليك يا سيدتي وتجلدي، واذكري ما عليك من الواجبات، وإنك إنما تبذلين راحتك في سبيل محبتك، فذلك يحيي العزم ويعلي المروءة، عرفت ما أقول بنفسي ولا تسألي إلا خبيرا، ثم ادعي الله يكن لك نصيرا، إن الله يحب الذين يؤثرون على أنفسهم ويجزيهم الخير عاجلا أو آجلا.
من يصنع الخير لا يعدم جوائزه
لا يذهب العرف بين الله والناس - آه يا سيدتي! لا أستطيع. - بل تستطيعين إن أردت. - أسفا ... إني أضعف مما تقولين عزما، وأضيق مما تطلبين جودا وكرم نفس. - صلي واستعيني بالله.
فصمتت «أليس» والعبرة تكاد تخنقها، وأطرقت «ماري» وهي تنتظر الجواب، فلم يكن يسمع في ذلك المجلس غير شهقات الباريسية الحسناء ساعة من الوقت، ثم استعانت «أليس» بما بقي من القوة، فكفكفت عبراتها ونظرت إلى «ماري» نظرة الآيس وهي تقول: نعم، الحق ما تقولين فلا بد من قضاء الأمر، ولا بد من إطاعتك يا سيدتي. - ليس ما أقوله أمرا فتكون إجابتك طاعة. - بل لك الأمر فأنت صاحبة الحق، ولست أجهل منتك علي في هذا اليوم، ولا أنكر ما رأيت من كرم نفسك ورقة طبعك فيما سلف، وقد حان لي أن أوفي هذه الحقوق، فكوني مطمئنة، ستستريحين مني وأترك لك زوجك ولا أراه أبدا فتحصل الراحة والسعادة للكل. - وأنت تكونين سعيدة، كلما ذكرت نتائج ما تبذلين لنا من المعروف والفداء. - لست أنا المقصودة فيما أفعل، وإنما القصد أنت و«هو» وأولادكما والموسيو «ڤلمورين» - تعني زوجها - ثم والدتي، آه يا رباه! ما لي غير والدتي. - إن ما تعملينه الآن يكسبك رضاها لا محالة. - وا أماه!
إنها تحبك حبا عظيما. ... سيدتي، أسألك أن تمهليني فيما وعدتك ثمانية أيام، وتأذني لي في رؤية «ڤكتور» مرة أخرى، ثم ينقضي الأمر. - أيليق بي أن أرد لك طلبا بعد أن وهبت لي حياة زوجي وسعادة آل بيتي، بارك الله فيك وجزاك عني خيرا.
فخفضت «أليس» رأسها إخفاء لدمعتها وسترا للوعتها، فدنت «ماري» منها وجعلت تؤانسها ما استطاعت محاولة تخفيف ما بنفسها من الألم واليأس، فكانت تنظر إليها ولا تسمع كلامها أو تسمعه ولا تعيه ثم قالت لها اقتضابا: عديني ألا تذكريني له بسوء بعد الفراق. - وقاني الله من ذلك، إني أعرف واجب حسن الذكر، ولا أجهل حق ذوي الأنفس الكريمة، فلا تخافي مني اغتيابا، ولسوف أحفظ لك صديقا صادقا. - حياك الله، ما أكرم هذا الخلق وما أشرف هذه النفس! - لأنت أكرم خلقا وأشرف نفسا فيما تفعلين. - أستودعك الله يا سيدتي، أستودعك الله أبدا، إني سائرة عنك لأحاول كتمان آلامي عن قومي، وهذا هو العذاب الأعظم. - وماذا تريدين أن أقول ل «ڤكتور»؟ - ما شئت، فأنت صاحبة الأمر وبيدك حياته وحياتي. - ولكن لا بد. - سأبعث إليه كتابا.
ثم انطلقت خارجة من باب المنزل تغالب اليأس بالجلد ولا تلوي على أحد.
6
هو الحب فاسلم بالحشى ما الهوى سهل
فما اختاره مضنى به وله عقل
Unknown page