Bariqa Mahmudiyya
بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية
Publisher
مطبعة الحلبي
Edition Number
بدون طبعة
Publication Year
١٣٤٨هـ
الصَّبْرِ حَتَّى تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَنَحَلَ جِسْمُهُ وَعُرِفَ الْحُزْنُ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ لَهُ ﵊ مَا غَيَّرَ لَوْنَك فَقَالَ مَا بِي مَرَضٌ وَلَا وَجَعٌ إلَّا إنِّي إذَا لَمْ أَرَك اسْتَوْحَشْت وَحْشَةً شَدِيدَةً حَتَّى أَلْقَاك ثُمَّ إنِّي إذَا ذَكَرْت الْآخِرَةَ أَخَافُ أَنْ لَا أَرَاك لِعُلُوِّ مَنْزِلَتِك أَوْ لِعَدَمِ دُخُولِي الْجَنَّةَ.
نُقِلَ عَنْ الْخَازِنِ وَقِيلَ إنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ بَكَى فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا يُبْكِيك فَقَالَ بِاَللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ نَفْسِي وَأَهْلِي وَمَالِي وَوَلَدِي أَذْكُرُك وَأَنَا فِي أَهْلِي فَيَأْخُذُنِي مِثْلُ الْجُنُونِ حَتَّى أَرَاك وَذَكَرْت مَوْتِي وَأَنَّك تُرْفَعُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَأَنِّي وَإِنْ دَخَلْت الْجَنَّةَ كُنْت أَدْنَى مَنْزِلَةً فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ ﴿فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ﴾ [النساء: ٦٩] جَمْعُ صِدِّيقٍ فِعِّيلٌ مِنْ أَوْزَانِ الْمُبَالَغَةِ كَثِيرُ الصِّدْقِ وَهُمْ أَتْبَاعٌ خَاصَّةٌ لِلرُّسُلِ حَتَّى لَحِقُوا بِهِمْ وَقِيلَ هُنَا أَفَاضِلُ أَصْحَابِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نُقِلَ هَذَا عَنْ الْخَازِنِ.
وَعَنْ الْوَاحِدِيِّ كُلُّ مَنْ صَدَقَ بِكُلِّ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُدَاخِلُهُ شَكٌّ وَصَدَّقَ الْأَنْبِيَاءَ فَهُوَ صِدِّيقٌ وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ هُمْ الَّذِينَ صَعِدَتْ نُفُوسُهُمْ تَارَةً بِمَرَاقِي النَّظَرِ فِي الْحِجَجِ وَالْآيَاتِ وَأُخْرَى بِمَعَارِجِ التَّصْفِيَةِ وَالرِّيَاضَاتِ إلَى أَوْجِ الْعِرْفَانِ حَتَّى اطَّلَعُوا عَلَى الْأَشْيَاءِ وَأَخْبَرُوا عَنْهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ ﴿وَالشُّهَدَاءِ﴾ [النساء: ٦٩] مُطْلَقًا وَقِيلَ شُهَدَاءُ أُحُدٍ أَوْ بَدْرٍ ﴿وَالصَّالِحِينَ﴾ [النساء: ٦٩] مَنْ اسْتَوَتْ سَرِيرَتُهُ وَعَلَانِيَتُهُ فِي الْخَيْرِ.
قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ هُمْ الَّذِينَ صَرَفُوا أَعْمَارَهُمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمْوَالَهُمْ فِي مَرْضَاتِهِ وَقِيلَ وَلَك أَنْ تَقُولَ الْمُنْعَمُ عَلَيْهِمْ هُمْ الْعَارِفُونَ وَهَؤُلَاءِ إنْ بَلَغُوا دَرَجَةَ الْعِيَانِ بِكَمَالِ الْقُرْبِ فَالْأَنْبِيَاءُ وَأَنْ يَقْرُبَ فِي الْجُمْلَةِ فَالصِّدِّيقُونَ وَإِنْ وَقَفُوا فِي مَقَامِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْبَرَاهِينِ الْقَطْعِيَّةِ فَالْعُلَمَاءُ الرَّاسِخُونَ الَّذِينَ هُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَرْضِهِ وَبِالْأَمَارَاتِ وَالْإِقْنَاعَاتِ الَّتِي تَطْمَئِنُّ بِهَا نُفُوسُهُمْ فَالصَّالِحُونَ فَأَنْتَ خَبِيرٌ أَنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ لِلصَّالِحِينَ يَقْتَضِي كَوْنَهُمْ فِي الْمَآلِ مُقَلِّدِينَ وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ كُلُّهَا مِنْ الْمُقَرَّبِينَ ﴿وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: ٦٩] فِي مَعْنَى التَّعَجُّبِ بِمَنْزِلَةِ مَا أَحْسَنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا بِمَعْنَى الْجَمْعِ نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ أَوْ الْحَالِ مِنْ الِارْتِفَاقِ بِمَعْنَى الصُّحْبَةِ.
وَعَنْ الْوَاحِدِيِّ وَحَدُّ الرَّفِيقِ لِأَنَّ الْوَاحِدَ فِي التَّمْيِيزِ يَنُوبُ عَنْ الْجَمَاعَةِ وَفِي النِّسَاءِ أَيْضًا ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: ٨٠] لِأَنَّ أَمْرَهُ ﵊ إنَّمَا هُوَ أَمْرُ اللَّهِ لَا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الرِّسَالَةِ وَالسِّفَارَةِ قَالَ الْحَسَنُ جَعَلَ اللَّهُ طَاعَةَ رَسُولِهِ طَاعَتَهُ وَقَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
وَعَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كُلُّ مَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يُعْلَمُ بِلَا بَيَانِ كَيْفِيَّةٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَإِنْ قِيلَ فَالِاعْتِصَامُ بِالسُّنَّةِ عَيْنُ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ فَمَا وَجْهُ عَدِّ أَحَدِهِمَا مُغَايِرًا لِلْآخَرِ بَلْ لَا تَكُونُ السُّنَّةُ مُطْلَقًا دَلِيلًا مُقَابِلًا لِلْكِتَابِ وَقَدْ جَعَلَ الْأُصُولِيُّونَ وَالْفُقَهَاءُ كُلًّا مِنْهُمَا دَلِيلًا مُسْتَقِلًّا قُلْنَا نَعَمْ فِي التَّحْقِيقِ كَذَلِكَ لَكِنَّ الِاطِّلَاعَ عَلَى تَفَاصِيلِ الْأَحْكَامِ لَمَّا كَانَ خَفِيًّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا أُضِيفَ بَعْضُ الْأَحْكَامِ إلَى السُّنَّةِ الْمُبَيِّنَةِ فِي الْحَقِيقَةِ فَإِنْ قِيلَ الظَّاهِرُ أَنَّ إطَاعَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَّةٌ لِلْقَوْلِيِّ وَالْفِعْلِيِّ وَالتَّقْرِيرِيِّ وَأَيْضًا لِجَمِيعِ أَفْرَادِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ بَعْضَهَا لَا يَجِبُ الِاتِّبَاعُ فِيهِ كَالْمُبَاحِ بَلْ لَا يَجُوزُ كَمَا يَكُونُ مِنْ خَوَاصِّهِ وَقَدْ جَوَّزُوا السَّهْلَ وَالزَّلَّةَ قُلْنَا الْأَصْلُ الِاتِّبَاعُ إلَّا بِقَرِينَةِ عَدَمِهِ لَكِنْ فِيهِ زِيَادَةُ كَلَامٍ لَا يَتَحَمَّلُهُ الْمَقَامُ.
وَفِي الْأَعْرَافِ ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: ١٥٦] أَيْ كُلَّ مَوْجُودٍ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِالرَّحْمَةِ إنْ خُصَّ بِأُمُورِ الدُّنْيَا فَظَاهِرٌ وَإِنْ عَمَّ لَهُ وَلِأَمْرِ الْآخِرَةِ فَسَعَةُ الرَّحْمَةِ بِبَيَانِ طَرِيقِ الْحَقِّ كَإِرْسَالِ الرُّسُلِ وَمُكْنَةِ اكْتِسَابِ الْخَيْرِ وَتَسْهِيلِ طَرِيقِهِ كَإِعْطَاءِ الْقُدْرَةِ عَلَى الطَّاعَةِ وَقَبُولِ التَّوْبَةِ قِيلَ لَمَّا نَزَلَتْ الْآيَةُ قَالَ اللَّعِينُ أَنَا دَاخِلٌ فِي هَذَا الْعُمُومِ فَأَقْنَطَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ ﴿فَسَأَكْتُبُهَا﴾ [الأعراف: ١٥٦] فَسَأُثْبِتُهَا فِي الْآخِرَةِ ﴿لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] الْكُفْرَ وَالْمَعَاصِيَ ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] قِيلَ خَصَّهَا بِالذِّكْرِ لِأَنَافَتِهَا وَلِأَنَّهَا أَشَقُّ عَلَيْهِمْ
1 / 56