Bariqa Mahmudiyya
بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية
Publisher
مطبعة الحلبي
Edition Number
بدون طبعة
Publication Year
١٣٤٨هـ
﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] .
فَقَالَتْ الْيَهُودُ هَذِهِ الرَّحْمَةُ لَنَا لِإِيمَانِنَا بِآيَاتِ اللَّهِ يَعْنِي التَّوْرَاةَ وَإِيتَائِنَا الزَّكَاةَ فَأَخْرَجَهُمْ بِقَوْلِهِ ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ﴾ [الأعراف: ١٥٧] رِسَالَتُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى اللَّهِ وَنُبُوَّتُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِبَادِ وَيُمْكِنُ رِسَالَتُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى كِتَابِهِ الَّذِي هُوَ الْوَحْيُ الظَّاهِرُ وَنُبُوَّتُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَحْيِ الْغَيْرِ الْمَتْلُوِّ قَالَ فِي الْإِتْقَانِ الصِّفَةُ الْعَامَّةُ لَا تَأْتِي بَعْدَ الْخَاصَّةِ.
وَالْإِشْكَالُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا﴾ [مريم: ٥١]- مُجَابٌ عَنْهُ بِأَنَّهُ حَالٌ لَا صِفَةٌ فَنَقُولُ هُنَا بِعَدَمِ عُمُومِ النَّبِيِّ لِتَرَادُفِهِمَا أَوْ تَسَاوِيهِمَا أَوْ نَقُولُ لَمَّا كَانَ مَقَامُ التَّبَعِيَّةِ أَدْعَى وَأَنْسَبَ لِجِهَةِ الرِّسَالَةِ قَدَّمَ الرَّسُولَ وَقَدْ قَالُوا وَقَدْ يَعْرِضُ أَمْرٌ يَقْتَضِي الْعُدُولَ عَنْ الْقَوَاعِدِ وَالْأُصُولِ ﴿الأُمِّيَّ﴾ [الأعراف: ١٥٧] الَّذِي لَا يَكْتُبُ وَلَا يَقْرَأُ وَالْكِتَابَةُ مِنْ خَوَاصِّهِ الْمُحَرَّمَةِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ لِعَدَمِ إيهَامِ اتِّهَامِ أَخْذٍ مِنْ سَائِرِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ وَلِاقْتِضَاءِ الْأُسْتَاذِيَّةِ السَّبْقَ عَلَيْهِ فِي الْفَضْلِ وَقِيلَ لِكَوْنِ نَشْأَتِهِ فِي صِغَرِهِ مَعَ أُمِّهِ نُسِبَ إلَيْهَا وَقِيلَ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى أُمِّ الْقُرَى يَعْنِي مَكَّةَ.
وَلَعَلَّ الْأَوْجَهَ مَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ لِكَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَبْدَأَ الشَّرِيعَةِ وَمَنْشَأَ الْأَحْكَامِ كَانَ كَالْأُمِّ ﴿الَّذِي يَجِدُونَهُ﴾ [الأعراف: ١٥٧] أَيْ وَصْفَهُ وَنُبُوَّتَهُ ﴿مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ﴾ [الأعراف: ١٥٧] وَلَكِنَّهُمْ كَتَمُوهُ وَبَدَّلُوهُ حَسَدًا وَخَوْفًا عَلَى زَوَالِ رِيَاسَتِهِمْ وَقَدْ وَقَعُوا عَلَى مَا خَافُوا لِذُلِّهِمْ وَهُوَ أَنَّهُمْ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ لَقِيت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقُلْت أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ فِي التَّوْرَاةِ فَقَالَ أَجَلْ إنَّهُ مَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ مَا فِي الْقُرْآنِ - يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إنَّا أَرْسَلْنَاك شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا - وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُك بِالْمُتَوَكِّلِ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا صَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ لَا يُجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَيَفْتَحَ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا وَالصَّخَّابُ الْكَثِيرُ الصِّيَاحِ ﴿يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [الأعراف: ١٥٧] إنْ أُرِيدَ مِنْ الْأَمْرِ الْإِيجَابُ كَمَا هُوَ حَقِيقَتُهُ وَتَبَادُرُهُ فَالْمَعْرُوفُ مَا يَكُونُ تَرْكُهُ عِصْيَانًا كَالْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَأَنَّ نَحْوَ النَّدْبِ فَالْمَعْرُوفُ شَامِلٌ لِكُلِّ الْفَضَائِلِ الْأُوَلِ لِنَيْلِ الثَّوَابِ وَخَلَاصِ الْعِقَابِ وَالثَّانِي لِكَمَالِ الثَّوَابِ وَرِفْعَةِ الدَّرَجَاتِ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - الْمُرَادُ مَكَارِمُ الْأَخْلَاقِ وَصِلَةُ الْأَرْحَامِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَثَرٌ وَإِلَّا فَالتَّخْصِيصُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ بَلْ ظَاهِرُهُ تَقْيِيدُ الْمُطْلَقِ وَذَا فِي الْقُرْآنِ لَيْسَ بِجَائِزٍ وَلَوْ كَانَ بِحَدِيثٍ مَا لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا إذْ التَّقْيِيدُ زِيَادَةٌ وَالزِّيَادَةُ نَسْخٌ ﴿وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [الأعراف: ١٥٧] الْكَلَامُ بَيْنَ النَّهْيِ وَالْمُنْكَرِ كَالْكَلَامِ بَيْنَ الْأَمْرِ وَالْمَعْرُوفِ وَخُصَّ أَيْضًا بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَقَطْعِ الْأَرْحَامِ قِيلَ كَانَ عَادَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرِّفْقَ وَاللِّينَ وَالنُّصْحَ إنْ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَالْعُنْفَ وَالْغِلْظَةَ إنْ لِلْعُمُومِ فَالتَّغْلِيظُ عِنْدَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ بِدْعَةٌ وَإِنْ ظَهَرَ مُنْكَرُهُ إذْ النَّبِيُّ ﵊ كَانَ يَسْتُرُ أَبْلَغَ الْمُنْكَرِ وَهُوَ الْكُفْرُ ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ﴾ [الأعراف: ١٥٧] الَّتِي حُرِّمَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ اللُّحُومِ وَالشُّحُومِ وَغَيْرِهِمَا قِيلَ الطَّيِّبُ هُوَ الْحَلَالُ وَقِيلَ أَخَصُّ مِنْهُ إذْ الْمَالُ الَّذِي أُخِّرَتْ الصَّلَاةُ أَوْ تُرِكَتْ الْجَمَاعَةُ عِنْدَ كَسْبِهِ حَلَالٌ لَيْسَ بِطَيِّبٍ وَنَحْوِهِ ﴿وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ [الأعراف: ١٥٧] أَيْ كُلَّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ
وَعَنْ الْوَاحِدِيِّ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ الْأَوَّلُ شَامِلٌ لِكُلِّ الْحَرَامِ بَلْ لَمَّا لَمْ يُشْرَعْ كَالشِّرْكِ وَالظُّلْمِ وَالرِّيَاءِ وَالرِّشْوَةِ وَقِيلَ كُلُّ مَا يَسْتَخْبِثُهُ الطَّبْعُ وَتَسْتَقْذِرُهُ النَّفْسُ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الِاسْتِغْرَاقَ خِلَافُ الْأَصْلِ فِي اللَّامِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَهْدُ الْخَارِجِيُّ ثُمَّ الِاسْتِغْرَاقُ وَادَّعَى مَعْهُودِيَّةَ مَا ذَكَرَهُ الْوَاحِدِيُّ ثُمَّ قَالَ مَنْ أَثْبَتَ بِهِ حَرَامًا جَدِيدًا لَمْ يُصِبْ لِعَدَمِ عُمُومِهِ حَيْثُ تَعَيَّنَ لِعَهْدٍ خَارِجِيٍّ كَأَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ التَّعْرِيضَ عَلَى مَنْ يَحْتَجُّ بِهِ عَلَى خُبْثِ الدُّخَّانِ لِاسْتِخْبَاثِ الطَّبْعِ وَاسْتِقْذَارِ النَّفْسِ السَّلِيمَةِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ صَرِيحُ كَلَامِهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَرِسَالَتِهِ الْمَوْضُوعَةِ لِإِبَاحَةِ الدُّخَّانِ وَأَقُولُ كَوْنُ الْعَهْدِ أَصْلًا مَشْرُوطٌ بِالْقَرِينَةِ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْقَرِينَةِ لِنَحْوِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَوْ فُرِضَ
1 / 57