وكانت رومة مدينة قديمة مصنوعة من الآجر، فصارت في عهد أغسطس مصرا مبنيا من الرخام في الأماكن التي يجتمع الجمهور فيها على الأقل، ويبدو في وسط رومة، ذات نهار، قيام البانتيون الذي هو أروع المباني الرومانية حتى قبل إكماله، فتعبد آلهة رومة السبعة فيه بعدئذ، ويمكن أبناء العبيد وحفدة العبيد، ثم كل عبد عتيق، أن يصبح رومانيا ، وتزيد الولايات انتفاخا، وإذا ما ظهرت فضائح في آل الإمبراطور أذاعها مرجفو الرومان مكبرة.
ومن دواعي الدهش أن أغلقت أبواب معبد جانوس، وتمضي خمس عشرة سنة على قتل قيصر فيتم وارثه تحويل آخر بلد مستقل في منطقة البحر المتوسط إلى ولاية رومانية، ثم يستنبط درسا من مشاريع قيصر الفارسية فيعزم على حفظ السلم، وتقفل أبواب البرونز الكبرى ذات يوم رسمي من سنة 29 قبل الميلاد، فكان هذا دليلا على نهاية دور، فكان هذا نذير ختام الحروب التي دامت مائتي عام. حقا لقد أخبر العالم بالسلم شاب في الثلاثين من عمره ووفق لحفظها في داخل إمبراطوريته العالمية على الأقل لمدة ثلاث وأربعين سنة، حقا لقد تحقق طموح أغسطس، وساد «السلم الروماني».
وقد وسع أغسطس إمبراطوريته بالوعيد، لا بالحرب، فحصل على ما يدعى اليوم بالتيرول وعلى القسم الغربي من سويسرة وعلى ستيرية وشمال إسبانية، ثم ساد السلم والأمن في فواصل نادرة، وتحت سلطان واحد، فيما بين بريطانية والنيل، وفيما بين جبال درن وبادية الشام، وكان الخطر الوحيد يأتي من الشمال ومن الشرق حيث كان البرابرة يشنون غارات في بعض الأحيان، ووحد البحر المتوسط، الذي هو بحيرة هادئة، مع شواطئه وجزائره وموانئه أكثر من قبل ومن بعد، وظل موحدا ثلاثمائة سنة، ونقشت على النقود كلمة «السلم الشامل» التي كانت شعار أغسطس، ولاح طلوع الجيل الذهبي في الأفق.
وقد جاءت السلم مع النظام الإمبراطوري إذن، وقد ورث هذا النظام ما نالته الجمهورية في المعارك الضارية من السلطان، وقد عقب هذا النظام النظام الأول كالصيف الذي يعقب الربيع الزاخر بالزوابع، ولكن البذور كانت في فصل الربيع مع كل ذلك.
وإذا نظرنا إلى دوام كل نظام في رومة ثلاثة قرون وجدنا، من بعيد، أن الجمهورية كانت أكثر إنتاجا من النظام الإمبراطوري، ومع ذلك، ومع ما في الإمبراطورية الرومانية من غلو وضعف، أطلعت هذه الإمبراطورية بني الإنسان على إمكان دولة عالمية قامت تحت نظام ديمقراطي أن تدوم تحت نظام ملكي مطلق وأن تشمل ملايين الآدميين بحمايتها، ولم تبدع الإمبراطورية الرومانية حضارة أصلية، وكل ما فيه عظمة الرومان كان قد أنتج في العهد الجمهوري، وذلك من طرق ومبان وقانون وعظماء رجال.
وقد أسفرت دعاية الإمبراطور عن اختراع دور الفن الأغسطسي. أجل، كان الإمبراطور يود تقليد بركلس، ولكنه كان يعوزه، للوصول إلى ذلك، سوفوكل وأوريبيد وفيدياس وإختين وسقراط وهيرودوتس، وعظمة بركلس قبل كل شيء، ولم يتم عهده شيئا من الفن التمثيلي تقريبا، ولا يمثل تيت-ليف وبوليون وسترابون وكابيتو غير العلم، ويمكنك أن تعد أربعة من فحول الشعراء أيضا.
وكان أغسطس حاميا حقيقيا لفرجيل، وأراد أغسطس أن يعارض الأوذيسة بحماسية قومية فعهد إلى فرجيل في وضع الإنييد، وصار يسأل عن مبلغ ما يعمل منها في بعض الأحيان، ومع ذلك ظل هذا الأثر الشعري عمل تقليد، فإذا عدوت إيطالية لم تجد له صدى، وإذا عدوت دانتي لم تجد له قارئا موهوبا. وكان وفاء فرجيل لأغسطس، الذي أغناه، أمرا مفيدا لكل من هذين الرجلين، ومن المؤثر أن يعلم أن الشاعر أوصى بربع ثروته لإمبراطوره، ومن المحتمل أن كاد وداع الشاعر المحتضر، عائدا إلى منزله، لحاميه أروع منظر في حياة أغسطس الفاتر العاطل من العواطف.
وكان الشعراء الكبراء الثلاثة الآخرون، أوفيد وهوراس وكاتول معارضين للنظام الإمبراطوري، وما كان من غزل أوفيد أظرف للدولة التي ثبتت أصولها حديثا، وقد اتهم بمجاراة فضيحة وقعت في البلاط، ومن المحتمل أن كان سحر شعره هو الذي لوى رأس حفيدة الإمبراطور. والحق أن أوفيد كان يعرف، ككل شاعر حقيقي، أن يغذي أهواء قرائه، وقد منع أغسطس كتبه مع أنه كان يطالعها قرير العين، وقد نفي الشاعر ومات بعد حياة طويلة قاتمة على شاطئ البحر الأسود حيث أبعد.
وكان كاتول شاعرا غنائيا أكثر من أوفيد، وقد تغنى بالبحر وبالحياة البرية، وقد مات ابنا للثالثة والثلاثين من سنيه على بحيرة غارد تاركا للأعقاب قصائد غرام من أروع ما في اللغة اللاتينية.
وكان ابن العبد العتيق، والشرقي الدم على ما يحتمل، هوراس، قد حارب في شبابه أغسطس جنديا في الجيش الجمهوري ، وقد ترك البلد مع بروتوس بعد فليب فاقدا ملكه الأسري الصغير بذلك، وما كان من مغامرته السياسية الأولى، التي يمكن أن تؤدي إلى هلاكه، أخرجه من المجتمع حينا من الزمن، ويلوح أنه لم يسطع، بعد حين أيضا، أن يتغلب على بعض الخوف من الحياة العامة؛ وذلك لأنه لم يعاشر في سنين كثيرة برومة وما حولها غير الممثلين والمرابين والحلاقين، وأضف إلى هذا خجله واضطرابه عندما يظهر أمام الجمهور، وهو، وإن كان ذا موهبة فطرية في الهجو الاجتماعي، حافظ دوما على ضرب من خفة اللهجة لا يسيء معه إلى أحد.
Unknown page