105

Bahr Mutawassit

البحر المتوسط: مصاير بحر

Genres

وتصدر الأوامر، وفي صباح الغد تتبع سفنها الستون، بعيدة من الشاطئ، المركب القائد «أنطونياس»، ويفتح باب المرور وتبدأ المعركة، وتنقض سفن أغريبا الخفيفة الرائعة على سفن أنطونيوس الثقيلة في الخليج.

ولكن أكتافيوس أمر بألا تمس واحدة من السفن المصرية، وتمر مراكب الملكة ذات صفوف المجاذيف الثلاثة من بين مقاتلة الرومان كالإوز السحري، وتتوجه نحو البحر تاركة وراءها دم المعركة ونارها وضوضاءها، ويبصر أنطونيوس إشارة انصراف الأسطول المصري، وما كان يحمله نحو كليوباترة من ميل مقدر حمله على ترك الرجال الذين يحاربون باسمه، ويبتعد في مركب من فوره محاولا اتباع مركب الملكة، ويتعقبه بعض سفن الأعداء، ولكنه يطردها ويداوم على اتجاهه نحو الجنوب.

ويظل أنطونيوس ثلاثة أيام جالسا في مقدم سفينة الملكة صامتا مخفيا رأسه بين يديه عدة ساعات، ويكون أنطونيوس قد ختم حياته العسكرية بتركه مراكبه وجيشه بلا رئيس.

وتمزق قوى أنطونيوس، ويصبح أكتافيوس سيد البحر المتوسط، ويتتبع كليوباترة وعاشقها في مصر، ويحملهما على الانتحار، ويقتل ابن قيصر وكليوباترة، قيصرون؛ أي المنافس الوحيد الذي تركه قيصر وراءه.

ويبدو عامل المركب في معركة أكسيوم حاسما مرة أخرى، وذلك لابتكار طراز جديد للمركب اسمه «ليبورنا» وهو مركب متحرك ذو مقعد اخترعه أغريبا لمرافقة ذوات الظهور العالية والبروج الصغيرة من مراكبه، وهو مثل معاكسة النسافات التي تلازم الطراد في زماننا.

ولم يكن فرار أنطونيوس المغلوب مع مراكب كليوباترة الستين خاتمة رواية غرامية فقط، بل كان نتيجة منطقية للتخلي عن التقاليد الرومانية من قبل روماني شهواني فاتر الإحساس أمام رجل أشد شبابا وأعظم طموحا مع تقيد تام بتلك التقاليد، ولم تقرر هذه المعركة من يكون سيد العالم من شعبين معينين، بل كانت خاتمة حرب أهلية بتعيينها أي الرومانيين يكون صاحب السلطان.

ولا شيء في ذلك التاريخ أدعى إلى الحيرة من خطأ كليوباترة في رهانها على أنطونيوس، ولم يكن لدى كليوباترة ما هو مشترك بينها وبين المصريين ما دامت منحدرة من أسرة مقدونية وما كان تفكيرها إغريقيا وما ظلت وفية للبحر المتوسط، لا للنيل، وكان يمكنها هي وآل بطليموس إيجاد قرطاجة جديدة قادرة على منافسة رومة، ولكن شيئا من هذا لم يقع. والحق أن أولئك الآل صاروا بيت ملك بعد موت الإسكندر وبعمل قائد، ولم يمكنهم أن يقاسوا بالرومان لا برا ولا بحرا، والحق أنهم قضوا بطالة نسبية في ثلاثة قرون شقت رومة فيها طريقا على رأس الأمم، وفي أكسيوم لم يقرر مصير حضارتين، بل قرر تملك مصر فقط. وقد تعقب أغسطس الزوجين

5

الفارين بأقصى ما يمكن من السرعة، وقد سقطت الإسكندرية بين يديه ثمرة ناضجة، ويمكنه بذلك أن يجلب قمح مصر إلى رومة مدة سبع سنين؛ أي سبع سنين سمان ينال فيها ربع مليون من الناس خبزهم مجانا، كما يمكن جميع شعب رومة أن يتغذى فيها.

ولم يحب الرومان منه أكثر من ذلك، ولكن من هو الذي كانوا يحبون؟ ومهما يكن من أمر فقد احتملوه زمنا طويلا بلا فتنة لما كان من حذره البالغ في أعماله، ومهما يكن من أمر فقد كان من غبطة الجمهور التعب من الفتن الداخلية أن يرى رجلا ممسكا دفة الدولة بيد متينة، ومهما يكن من أمر فقد كان يؤمل دوام نظام ملكي معتدل قد يقبض على زمامه خلفاء أكثر اقتدارا، وكان الشعب يسأل في نفسه: أليس هذا خيرا من أعضاء السنات المرتشين؟ وهل كان هؤلاء يستحقون أكثر من حق ضرب النقود النحاسية على حين كان القيصر يحتفظ بالذهب والفضة؟ ولم تنظم حكومة سابقة ألعابا حربية يمثل فيها ثلاثة آلاف أثني وفارسي معركة سلامين في ثلاثين سفينة على بحيرة مصنوعة، ولم يظهر رجل مثله تملق الجماهير بتنظيمه في الميدان مناظر يذبح فيها المجرمون تقليدا لمن قتل من مشاهير الرومان!

Unknown page