54

Al-Baḥr al-Muḥīṭ fī uṣūl al-fiqh

البحر المحيط في أصول الفقه

Publisher

دار الكتبي

Edition Number

الأولى

Publication Year

1414 AH

Publisher Location

القاهرة

وَنَازَعَ ابْنُ الْقُشَيْرِيّ فِي الْأَوَّلِ. وَقَالَ: عِنْدَنَا لَا أَصْلَ لِبِنَاءِ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ وَأَنَّ الْحُكْمَ بِهِ بَاطِلٌ، وَإِنْ قَامَ دَلِيلٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ فِي الْغَائِبِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ، وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ الشَّاهِدِ، وَإِلَّا فَذِكْرُ الشَّاهِدِ لَا مَعْنَى لَهُ، وَلَيْسَ فِي الْمَعْقُولَاتِ قِيَاسٌ. قَالَ: وَكَذَا قِيَاسُ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ عَلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيَاسَ فِي الْمَعْقُولَاتِ، وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْقِيَاسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الدَّلِيلِ الْوُجُودُ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَدَمِيًّا، وَلِهَذَا يُسْتَدَلُّ بِعَدَمِ الْآيَاتِ عَلَى كَذِبِ الْمُتَنَبِّئِ، وَبِعَدَمِ الْأَدِلَّةِ وَالْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ عَلَى انْحِصَارِ أَوْصَافِ الْأَجْنَاسِ فِيمَا أَدْرَكْنَاهُ. وَالدَّلِيلُ لَا يَقْتَضِي مَدْلُولَهُ، وَلَا يُوجِبُهُ إيجَابَ الْعِلَّةِ مَعْلُولَهَا بَلْ يَتَعَلَّقُ بِالْمَدْلُولِ عَلَى مَا هُوَ بِهِ، كَالْعِلْمِ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْلُومِ. وَبَيَانُهُ: أَنَّ الْحُدُوثَ لَمَّا دَلَّ عَلَى الْمُحْدِثِ اسْتَحَالَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُوجِبُهُ، بَلْ يَتَعَلَّقُ بِهِ عَلَى مَا هُوَ بِهِ. وَالْقَصْدُ بِهَذَا التَّحَرُّزُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: الدَّلِيلُ يُوجِبُهُ كَذَا، وَالدَّلَالَةُ تَقْتَضِي مَدْلُولَهَا كَذَا.
وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ مُحْتَاجًا لِدَلِيلٍ؟ فِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. قَالَ: فَمَنَعَهُ قَوْمٌ وَجَوَّزَهُ آخَرُونَ. وَقَالُوا: الْأَدِلَّةُ تَنْقَسِمُ إلَى مَا هُوَ بَيِّنٌ بِنَفْسِهِ، وَإِلَى مَا هُوَ فِي ثَوَانِي الْعَقْلِ مُحْتَاجٌ إلَى دَلِيلٍ. وَاخْتَلَفَ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي مَسْأَلَةٍ وَهِيَ: أَنَّا إذَا أَقَمْنَا دَلِيلًا عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ مَثَلًا، فَهَلْ الْمَدْلُولُ حُدُوثُ الْعَالَمِ أَوْ الْعِلْمُ بِحُدُوثِهِ؟ وَالصَّحِيحُ: الْأَوَّلُ بِدَلِيلِ أَنَّ حُدُوثَ الْأَكْوَانِ دَالٌّ عَلَى حُدُوثِ الْجَوَاهِرِ سَوَاءٌ نَظَرَ النَّاظِرُ أَوْ لَا.

1 / 56