Al-Baḥr al-Muḥīṭ fī uṣūl al-fiqh
البحر المحيط في أصول الفقه
Publisher
دار الكتبي
Edition Number
الأولى
Publication Year
1414 AH
Publisher Location
القاهرة
فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لِهَذَا الْمُحْتَجِّ: مَذْهَبُ دَاوُد أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى مَا يَرِدُ بِهِ الشَّرْعُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَجُوزُ إثْبَاتُ إبَاحَتِهَا بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَلَا تَكُونُ إبَاحَتُهَا بِعَدَمِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ أَوْلَى مِنْ حَظْرِهَا، وَبَطَلَ بِهَذَا حُجَّةُ الْمُحْتَجِّ. اهـ. وَمِمَّا يَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا مَا لَوْ لَمْ يَجِدْ الْعَامِّيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَا غَيْرِهَا وَاقِعَةً لَهُ، وَلَا نَاقِلَ حُكْمِهَا. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ فَتْرَةِ الشَّرِيعَةِ وَحَمْلُهَا كَمَا قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ. وَالصَّحِيحُ مِنْهُ: لَا تَكْلِيفَ حَكَاهُ عَنْهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَقَرَّهُ، وَخَرَّجَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ " عَلَيْهِ النَّبَاتَ الْمَجْهُولَ سَمِيَّتَهُ، وَاللَّبَنَ الْمَجْهُولَ كَوْنُهُ لَبَنَ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَرَجَّحَ الْإِبَاحَةَ، وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ قَدْ عُلِمَ حُكْمُ الشَّرْعِ فِيهِ، وَمَا يُبَاحُ مِنْهُ وَمَا يَحْرُمُ. فَالْمَوْجُودُ فِيهِ حُكْمٌ وَلَكِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ تَحْرِيمٍ وَإِبَاحَةٍ فَلَا يَحْسُنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ. وَأَمَّا النَّبَاتُ فَلَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُهُ فِيهِ كَحَيَوَانٍ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ. وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْأَطْعِمَةِ: أَنَّ الْمَاوَرْدِيَّ خَرَّجَهُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ، وَكَذَلِكَ خَرَّجَ عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ الشَّعْرَ الْمَشْكُوكَ فِي طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ، وَالنَّهْرَ الْمَشْكُوكَ فِي كَوْنِهِ مَمْلُوكًا أَوْ مُبَاحًا: وَهُوَ تَخْرِيجٌ ضَعِيفٌ؛ لِمَا بَيَّنَّا فِي اللَّبَنِ الْمَجْهُولِ.
وَلَوْ وَقَعَ رَجُلٌ عَلَى طِفْلٍ مِنْ الْأَطْفَالِ إنْ أَقَامَ عَلَى أَحَدِهِمْ قَتَلَهُ، وَإِنْ انْتَقَلَ إلَى آخَرَ مِنْ جِيرَانِهِ قَتَلَهُ. قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي قَوَاعِدِهِ ": قَدْ قِيلَ: لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى الْأَصْلِ فِي انْتِفَاءِ الشَّرَائِعِ قَبْلَ نُزُولِهَا، وَلَمْ نَرَ لِلشَّرِيعَةِ التَّخْيِيرَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَفْسَدَتَيْنِ. فَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ مُسْلِمًا، وَبَعْضُهُمْ كَافِرًا فَهَلْ يَلْزَمُهُ الِانْتِقَالُ إلَى الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ أَخَفُّ مَفْسَدَةً مِنْ قَتْلِ الطِّفْلِ الْمَحْكُومِ بِإِسْلَامِهِ؟
1 / 213