Al-Baḥr al-Muḥīṭ fī uṣūl al-fiqh
البحر المحيط في أصول الفقه
Publisher
دار الكتبي
Edition Number
الأولى
Publication Year
1414 AH
Publisher Location
القاهرة
إفْصَاحٌ عَنْ أَنَّهُمْ يَرُدُّونَهُ إلَى صِفَةٍ نَفْسِيَّةٍ أَوْ صِفَةٍ تَابِعَةٍ لِلْحُدُوثِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَيُقَالُ لِمَنْ قَالَ: إنَّهَا صِفَةٌ نَفْسِيَّةٌ: صِفَةُ النَّفْسِ مَا يَتْبَعُ النَّفْسَ فِي الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ إثْبَاتُ الْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ فِي الْقَدِيمِ. ثُمَّ يَلْزَمُ مِنْهُ اسْتِحْقَاقُ الذَّمِّ عَلَى الْمَعْدُومِ وَذَلِكَ مُحَالٌ. ثُمَّ قَسَّمُوا الْأَفْعَالَ إلَى قِسْمَيْنِ، وَقَالُوا: مِنْهَا مَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ، وَمِنْهَا مَا لَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ فِيهِ حُسْنًا وَلَا قُبْحًا، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِالشَّرْعِ، وَذَلِكَ لِخَفَاءِ وَصْفِهِ عَنْ الْعُقُولِ، وَلَيْسَ هُوَ ثَابِتًا بِالْخِطَابِ وَإِنَّمَا الشَّرْعُ كَاشِفٌ عَنْ حَقِيقَتِهِ لَمَّا قَصُرَ الْعَقْلُ عَنْهُ.
قَالَ فِي " تَعْلِيقِهِ عَلَى الْبُرْهَانِ ": وَلِكُلِّ مَذْهَبٍ سَيِّئَةٌ وَحَسَنَةٌ، فَمَذْهَبُ الْأَشْعَرِيَّةِ أَنَّهُمْ نَفَوْا الْحَسَنَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي حَقِّنَا، فَحَسَنَتُهُمْ كَوْنُهُمْ نَفَوْهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَسَيِّئَتُهُمْ كَوْنُهُمْ نَفَوْهُ فِي حَقِّنَا، وَمَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ إثْبَاتُ الْحَسَنِ فِي حَقِّ اللَّهِ وَفِي حُقُوقِنَا، وَسَيِّئَتُهُمْ كَوْنُهُمْ أَثْبَتُوهُ فِي حَقِّ الْبَارِي، وَحَسَنَتُهُمْ كَوْنُهُمْ أَثْبَتُوهُ فِي حَقِّنَا. فَاخْتَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مَذْهَبًا بَيْنَ مَذْهَبَيْنِ وَهُوَ الْجَامِعُ لِمَحَاسِنِ الْمَذَاهِبِ، فَأَثْبَتَهُ فِي حَقِّنَا وَنَفَاهُ فِي حَقِّ الْبَارِي. انْتَهَى.
[الْعَقْلُ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ]
تَنْبِيهٌ: [الْعَقْلُ عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ يُوجِبُ وَيُحَرِّمُ] ظَاهِرُ النَّقْلِ السَّابِقِ عَنْهُمْ أَنَّ الْعَقْلَ يُوجِبُ وَيُحَرِّمُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِقْلَالِ وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِالْآيَةِ ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا﴾ [الإسراء: ١٥] يَقْتَضِيهِ. يَقْتَضِيهِ، وَالتَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ عَنْ الْمُعْتَزِلَةِ: أَنَّ الْفِعْلَ إنْ اشْتَمَلَ عَلَى مَصْلَحَةٍ
1 / 189