116

Bahr Muhit

البحر المحيط في أصول الفقه

Publisher

دار الكتبي

Edition Number

الأولى

Publication Year

1414 AH

Publisher Location

القاهرة

لَهُ بَصَرٌ بِلَا سِرَاجٍ لَا يَرَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ. فَصَرَّحَ بِمُخَالَفَةِ الْعَقْلِ الْعِلْمَ، وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ: الْعَقْلُ غَرِيزَةٌ. قَالَ الْقَاضِي: أَيْ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى ابْتِدَاءً وَلَيْسَ اكْتِسَابًا. قَالَ الْأُقْلِيشِيُّ: وَهَذِهِ الْغَرِيزَةُ لَيْسَتْ حَاصِلَةً لِلْبَهِيمَةِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ. وَاسْتَحْسَنَهُ الْإِمَامُ فِي " الْبُرْهَانِ " وَاعْتَقَدَهُ رَأْيًا. إذْ أَكْثَرُ الْأَشْعَرِيَّةِ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَالْبَهِيمَةِ فِي السَّجِيَّةِ، وَإِنَّمَا فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ، وَهِيَ الْعُلُومُ الْكَسْبِيَّةُ الَّتِي مَنْشَؤُهَا مِنْ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ. لَكِنَّهُ فِي " الشَّامِلِ " حَكَاهُ، ثُمَّ قَالَ: إنَّهُ لَا يَرْضَاهُ وَإِنَّهُ يَتَّهِمُ النَّقَلَةَ عَنْهُ فِيهِ، وَأَطَالَ فِي رَدِّهِ. وَصَارَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَبُو الطَّيِّبِ، وَسُلَيْمٌ الرَّازِيَّ، وَابْنُ الصَّبَّاغِ، وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّهُ بَعْضُ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ، فَخَرَجَتْ الْعُلُومُ الْكَسْبِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَ يَتَّصِفُ بِكَوْنِهِ عَاقِلًا مَعَ عَدَمِ جَمِيعِ الْعُلُومِ النَّظَرِيَّةِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا: بَعْضُهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَمِيعُهَا لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْفَاقِدُ لِلْعِلْمِ بِالْمُدْرِكَاتِ، لِعَدَمِ الْإِدْرَاكِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا غَيْرَ عَاقِلٍ، فَثَبَتَ أَنَّهُ بَعْضُ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ، وَذَلِكَ نَحْوُ الْعِلْمِ بِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ، وَالْعِلْمِ بِأَنَّ الْمَعْلُومَ لَا يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا أَوْ مَعْدُومًا وَأَنَّ الْمَوْجُودَ لَا يَخْلُو عَنْ الِاتِّصَافِ بِالْقِدَمِ أَوْ بِالْحُدُوثِ، وَالْعِلْمِ بِمَجَارِي الْعَادَاتِ الْمُدْرَكَاتِ بِالضَّرُورَةِ، كَمُوجِبِ الْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ

1 / 118