Bahr Muhit
البحر المحيط في أصول الفقه
Publisher
دار الكتبي
Edition Number
الأولى
Publication Year
1414 AH
Publisher Location
القاهرة
قَالَ: وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ شَكٌّ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ مَنْ تَوَقَّفَ عَنْ الْحُكْمِ بِثُبُوتِ الشَّيْءِ وَنَفْيِهِ يُقَالُ: إنَّهُ شَاكٌّ فِي وُجُودِهِ وَنَفْيِهِ. انْتَهَى. وَنَبَّهَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى فَائِدَةٍ، وَهِيَ أَنَّ الشَّكَّ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَعَ قِيَامِ الْمُقْتَضِي لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ. وَقَالَ: هُوَ اعْتِقَادُ أَنْ يَتَقَاوَمَ سَبَبُهُمَا. ذَكَرَهُ فِي " النِّهَايَةِ " فِي أَبْوَابِ الصَّلَاةِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ التَّرَدُّدِ فِي الْأَمْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ قِيَامِ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ لَا يُسَمَّى شَكًّا، وَكَذَلِكَ مَنْ غَفَلَ عَنْ شَيْءٍ بِالْكُلِّيَّةِ. فَيَسْأَلُ عَنْهُ لَا يُسَمَّى شَاكًّا. وَكَلَامُ الرَّاغِبِ يُوَافِقُهُ، فَإِنَّهُ قَالَ: هُوَ اعْتِدَالُ النَّقِيضَيْنِ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَتَسَاوِيهِمَا، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ لِوُجُودِ أَمَارَتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ عِنْدَهُ فِي النَّقِيضِ أَوْ لِعَدَمِ الْأَمَارَةِ فِيهِمَا. وَالشَّكُّ رُبَّمَا كَانَ فِي الشَّيْءِ هَلْ هُوَ مَوْجُودٌ أَوْ لَا؟ وَرُبَّمَا كَانَ فِي جِنْسِهِ أَيْ: أَيُّ جِنْسٍ هُوَ؟ وَرُبَّمَا كَانَ فِي بَعْضِ صِفَاتِهِ، وَرُبَّمَا كَانَ فِي الْغَرَضِ الَّذِي لِأَجْلِهِ وُجِدَ. وَالشَّكُّ ضَرْبٌ مِنْ الْجَهْلِ، وَهُوَ أَخَصُّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْجَهْلَ قَدْ يَكُونُ عَدَمَ الْعِلْمِ بِالنَّقِيضِ أَصْلًا، فَكُلُّ شَكٍّ جَهْلٌ، وَلَيْسَ كُلُّ جَهْلٍ شَكًّا. قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ﴾ [هود: ١١٠] وَأَصْلُهُ: إمَّا مِنْ شَكَكْت الشَّيْءَ أَيْ خَرَقْته، فَكَانَ الشَّكُّ الْخَرْقَ فِي الشَّيْءِ وَكَوْنَهُ بِحَيْثُ لَا يَجِدُ الرَّائِي مُسْتَقَرًّا يَثْبُتُ فِيهِ وَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعَارًا مِنْ الشَّكِّ، وَهُوَ لُصُوقُ الْعَضُدِ بِالْجَنْبِ وَذَلِكَ أَنْ يَتَلَاصَقَ النَّقِيضَانِ. فَلَا يَدْخُلُ الْفَهْمُ وَالرَّأْيُ لِتَخَلُّلِهِ بَيْنَهُمَا، وَلِهَذَا يَقُولَانِ: الْتَبَسَ الْأَمْرُ وَاخْتَلَطَ وَأَشْكَلَ وَنَحْوَهُ مِنْ الِاسْتِعَارَاتِ
1 / 109